الإسلام السياسي.. كيف ولماذا
وذلك على طريقة طرح كتابي الراحل جعفر نميري.. (النهج الإسلامي لماذا؟) و(النهج الإسلامي كيف؟) بحيث يلاحظ المتابعون تدفق عبارات الإسلام السياسي بكثافة في الميديا العربية والأجنبية على إثر احتدام موجة ما عرف بثورات الربيع العربي التي أتت بالإسلاميين إلى مسرح الأحداث ومنصات الحكم و.. و..
* على أن الطريق إلى الإجابة عن هذا السؤال يمر بطرح سؤال موازٍ آخر.. عن ماهية الإسلام
غير السياسي؟ ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لقلت هو إسلام الأحوال الشخصية.. على أن غاية جهد هذه النسخة أن تكون هنالك محاكم شرعية تفصل في قضايا المواريث والزواج والطلاق في دولة مدنية تتعايش فيها التناقضات.. إن شئت دخلت المسجد وإن شئت ذهبت إلى البار المحمي هو الآخر بضرائب الدولة كما كان عليه الحال في بلادنا قبل أن تعرف (الإسلام السياسي)! فدولة الإسلام غير السياسي تحتمل وجود نظام مصرفي مزدوج إسلامي وتقليدي.. ربوي.. فالدين في هذه الحالة ممارسة شخصية ليس للحاكم والدولة يد فيها.. وقبل أن أذهب بعيدا أشير إلى أني هنا أفرق بين مفهومين اثنين.. مفهوم الدولة الدينية البابوية التي يحكمها رجال الدين بتفويض إلهي مزعوم.. وذلك في مقابل الدولة المدنية الإسلامية التي تتخذ من كتاب الله منسكا ومنهاجا.. النسخة التي ينادي لها الإسلاميون.. ومن طرائف هذا الجدل يقال إن الرئيس في الدولة البرلمانية الديمقراطية يحاسبه الشعب.. أما في النظام الملكي.. فالملك الذي يحاسب الشعب لا يحاسبه إلا الله يوم القيامة! غير أن الدولة الإسلامية التي ننشدها هي الدولة التي تتيح ليهودي أن يقف موازيا لخليفة المسلمين في محاكم عدالتها.. الدولة التي يموت أميرها ودرعه مرهونة ليهودي كما كان حال قدوتنا وأسوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فضلا على أن (دولة الإسلام السياسى) هي التي تحرم بيع ومعاقرة أم الكبائر كما لا تفعل دولة الإسلام غير السياسي.. وتحضرني هنا طرفة أخرى.. قيل إن يساريا سودانيا على أيام الإنقاذ الأولى قد حل مستشفيا على إحدى الدول العربية.. ففوجئ بوجود البار أسفل البناية التي حل بها والبار يمارس عمله كالمعتاد.. فساقه الفضول لسؤال صاحبه: “هل تبيعون الخمرة علنا؟” قال: “نعم” قال: “والنظام العام لا يلاحقكم؟” قال رجل البار: “إيش النظام العام يا رجال؟ ” تمتم صاحبنا: “لا دا عندنا هناك”.. ثم سأل: “ألستم أنتم العرب الهاشميون الأصلاء؟”.. قال: نعم.. قال صاحبنا: “طيب ناس قريعتي راحت ديل في السودان مضيقنا علينا فوق كم؟”..
* لتدرك عزيزي القارئ الكريم التناقض الكببر الذي يقع فيه دعاة أطروحة إقصاء الدين عن منصات السياسة.. فهب أننا نجحنا في ذلك، فكيف ننجح في مواجهة نصوص قرآنية جهيرة في كتاب الله؟ هل نشطبها من المصحف الشريف أم نجمدها؟ فمثلا يدعوننا كتابنا إلى ألا نأكل الربا أضعافا مضاعفة.. فإذا ماجلسنا بعدها لنبحث في إنتاج اجتهاد نظام مالي.. الصيرفة الإسلامية.. يجنبنا حربا مع الله ورسوله، قالوا هذا إسلام سياسي.. وفي هذا السياق هنالك مرافعة علمانية لبرالية يسارية جهيرة تدعو للشفقة والرثاء.. تتمثل في مسوغات ترك كتاب الله بعيدا حتى لانشوهه! غير أن الذين يناهضون المشروع الإسلامي بحجة خطأ التطبيق لا يطرحون بديلا قيميا أصوب في التسديد والمقاربة والأحكام.. وإنما يفعلون ذلك للتحلل من المسؤوليات الإخلاقية..
* ليدرك الجميع في نهاية المطاف أن استخدامات مصطلح (الإسلام السياسي) التي يتداري بها البعض في مواجهة خصومهم الفكريين قد تجعلهم من حيث يدروا أو لا يدرون في مواجهة رب العزة وكتابه وشرعه.. فلنفرق – هدانا الله جميعا – بين الخصومتين والمواجهتين.. أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه، إنه غفور رحيم..
[/JUSTIFY]ملاذات آمنه – صحيفة اليوم التالي
[EMAIL]Malazat123@gmail.com[/EMAIL]