أبشر الماحي الصائم

النسخة الحمراء

[JUSTIFY]
النسخة الحمراء

كان جدي مختار عبدالله أبسادوبة، وهذه كنيته رحمه الله رحمة واسعة.. كان يسألني ونحن يومئذ طلاب ثانوي.. هل عملوا الشريعة البيضاء.. قلت لا بل الشريعة الإسلامية.. عاجلني بقوة.. طيب ماياها الشريعة البيضاء.. فيما بعد أدركت أن الرجل ربما كان يعني المحجة البيضاء على النحو الذي ورد في الحديث الشريف.. تركتم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك كتاب الله وسنتي عضوا عليها بالنواجذ.. صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم .

* تداعت لي تلك المسوغات في لحظة فارقة لاحقة عندما استيقظنا ذات مواسم انتخابية على وقع طرح (الشريعة السمحاء) من قبل أهلنا الختمية والاتحاديين.. بينما أشهر الأنصار وحزب الأمة شعار (الصحوة الإسلامية).. وللإسلاميين مشروعهم الحضاري.. غير أن تأريخنا السوداني الحديث يقول إن انتخابات 1985 هي الانتخابات الأولى التي يدخل الدين فيها كعنصر فاعل.

ومؤثر في حسم حصد الناخبين.. و(مسمار جحا) هذا قد دقه جعفر نميري عليه الرحمة في عروش الطائفية السياسية التي كانت قبل ذلك تراهن على التأريخ.. وذلك عندما صنع لأول مرة الشريعة البيضاء التي أطلق عليها اليسار، فيما بعد مصطلح (قوانين سبتمبر).. مذ وقتها لم يملك الجميع إلا أن يركبوا قطارات الشريعة الإسلامية كل حسب تصوره ورؤيته.. لم يطرح اليسار نسخة الشريعة الحمراء، ولكنهم قد اضطروا أن ينزلوا للجماهير ليؤكدوا أنهم مسلمون يصومون ويصلون لكنهم لا يتاجرون بالدين.. التجارة التي ينظر إليها الإسلاميون على أنها تجارة لن تبور و.. و..

* أستدعي مرة أخرى هذه المساقات والمسميات والدلالات، وبين يدي تجربة نسخة (العدالة والتنمية) التركية التي تعرض الآن فعالياتها على كل شاشات العالم.. وصراحة أن السيد أردوغان يحرجنا في عقر منهجنا.. صحيح، إننا جميعا ننشد الشريعة الإسلامية، ولكن سؤال الراحل جعفر نميري يظل مطروحا.. كيف ولماذا؟.. والمدهش في التجربة التركية أنها قد خلت من الهتاف المباشر ونفذت مباشرة إلى المبتغى.. العدالة والتنمية.. فلم تقل على سبيل المشاع حزب التنمية الإسلامي.. ولكنها تقدمت خطوات، وهي تجيب بأن نسختها تعني بتحقيق العدل والتنمية.. وسبحان الله أن العدل قد سبق التنمية، وكان مبررا أن تصنع المكتسبات ثم توزعها بعدل.. غير أن القوم.. قوم الشيخ أردوغان.. كانوا أكثر استيعابا ووعيا وإدراكا على أن الطريق يبدأ بالعدل وينتهي به.. والذي يشدك أكثر فمن حيث أتيت هذه التجربة أذهلتك.. حرية وديمقراطية وتنمية اقتصادية وسياسة وكياسة و.. و..

* وأتصور في المقابل أن التجربة السودانية قد نجحت في ثقافة تقديم الشهداء، ولا أقول صناعة الموت.. ولكنها قد تعثرت في أدبيات صناعة الحياة.. غير أن الجانب السياسي قد طغى على جانب التنمية والاقتصاد ومعاش الناس.. قد يقول قائل إن الأعداء لم يجعلوها تلتقط أنفاسها فكلما خمدت جبهة مشتعلة أوقدوا لها أخرى، وكلما استمالت فصيلا متمردا نهضت عشرات الحركات و.. و.. كل ذلك صحيح، ولكن الأصح أن هنالك فرصاً بالجملة للتنمية والنهضة والإنتاج قد أهدرت وتهدر.. فحتى اللحظة ليست هنالك خطة استراتيجية قومية محكمة للزراعة والإنتاج.. على أن هيبة التجرية والفكرة والدولة تبدأ بقوة الاقتصاد والتنمية، وهذا ما لم يكن في يوم أولوية قصوى طاغية.. وفي المقابل أستطيع أن أزعم أن قوة التجربة التركية تكمن في أطروحة التنمية التي جعلتها محورا وهدفا مباشرا وسخرت لها كل الإمكانات و.. و..

ولنا عودة بحول الله وقوته

[/JUSTIFY]

ملاذات آمنه – صحيفة اليوم التالي
[EMAIL]Malazat123@gmail.com[/EMAIL]