راحت لندن التي عشقتها
ليس عالمنا العربي وحده هو الذي اتمسخ، بل إن لندن التي ظلت أكثر من قرنين عاصمة أكبر إمبراطورية في التاريخ الحديث، صارت اليوم مسخا مقارنة بلندن أواخر السبعينيات، وقد أسهم العرب بجهد مقدر في عملية المسخ تلك، لأن كثيرا من المسلمين العرب يزور لندن مرة في السنة على الأقل، ولا يمر بمكة المكرمة ولو ترانزيت، أي جعلوا منها محجا، وفي منطقة الخليج يعتبر من لم يزر لندن متخلفا عقليا، وفي لندن التي زرتها للمرة الأولى كنت ما إن تسمع شخصين يتكلمان العربية، حتى تندفع نحوهما فتحييهما بالعربية، فيشبعانك أحضانا وبوسات، فلم تكن ثقافة «الصيف الأوروبي» منتشرة في المنطقة في ذلك الزمان، وكان الراغبون في «تغيير الجو» يذهبون إلى القاهرة أو بيروت، أما في لندن المعاصرة فهناك مناطق فيها لا تستطيع استئجار عقار، أو تناول وجبة فيها من دون كفيل أو مترجم عربي، وسأموت وفي نفسي شيء من السؤال الذي لم أجد له أي إجابة: لماذا يأتي العربي إلى لندن ويمضي يومه كله يدخن الشيشة ويأكل سندويتشات الشاورما والفلافل، رغم أن ما يباع منها في لندن أقل جودة من تلك التي تباع في أسواقنا المحلية، ثم لماذا اشتري سندويتش الفلافل في لندن بثلاثة جنيهات إسترلينيه، بينما استطيع شراءه في أفخم مطعم في العالم العربي بما يعادل أقل من إسترليني واحد؟
كما ذكرت من قبل فقد تسنى لي زيارة لندن مرات عديدة، مكرها لا بطلا، إما للعمل أو طلبا للعلاج، وأحصل على تأشيرة دخول بريطانيا في وقت قياسي، لأنني مسجل في قسم الأجانب في جهاز الشرطة البريطاني كشخص أقام فيها بصورة قانونية، وكدافع ضرائب، ولكن ما الحب إلا للحبيب الأول، أي أنني أعشق لندن التي زرتها للمرة الأولى في أواخر سبعينيات القرن الماضي، ليس لأنني كنت في بعثة دراسية و«عايش بلوشي»، وليس لأنني -كغيري- بالضرورة أنبهر بالانطباع الأول عن أشهر مدينة في العالم الأول، ولكن لأنها كانت نظيفة وآمنة ووادعة، ولكن لندن اليوم «شوم»، وكئيبة ومزعجة، وفي معظم أرجائها لا يمشي عاقل على قدميه بعد الثامنة مساء، واستمتعت بلندن في أول زيارة لي لها لأنني أيضا كنت «خالي طرف»، لا زوجة تسألك: رايح وين وراجع متى؟ أو أم تحسسك بالذنب عندما تعود في ساعات الصباح الأولى وتكتشف أنها لم تنم لحظة لأنك خارج البيت، وكانت أمي مثل كثير من الأمهات من هذا النوع، وأورثتني ذلك «القلق»، فلا تغمض لي عين حتى أضمن أن جميع عيالي داخل البيت، وحتى عندما أفارقهم وأكون على سفر، اتصل بهم بانتظام في الأمسيات، «ظاهريا» للتحية، ولكن في دواخلي لأطمئن أنهم في البيت، ورغم هذا لا أطرح على أولادي أي سؤال مباشر: وين أنت الآن؟ لأنهم قد يكونون مع بعض أصدقائهم ويحرجهم أن الواحد منهم «خلاص راجل»، وأن أصدقاءهم سيسخرون منهم: كأنك طفل أهلك يسألون عن مكانك ومواعيد عودتك إلى البيت!! هذا أسلوب استفزازي شائع بين الشباب، ولا تثريب عليهم فتلك مرحلة «المرجلة» وإثبات الذات، بل حتى التمرد على اللوائح المنزلية، ولكن ما قولك في أن رجالا كبار السن ولديهم كتائب من العيال يعايرون الصديق الذي يميل إلى عدم السهر طويلا مع الشلة بأنه يخاف من أم العيال، وأولى بالرجل الحقيقي أن يخاف من أم العيال أكثر من خوفه من تريقة أصدقاء «صُيّع».
[/JUSTIFY]
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]
[B]حديثك المتعلق بجزئية ,,,لماذا اشترى سندوتش الفلافل فى لندن بثلاث جنيهات استرلينية,بينما استطيع شراءه فى افخم مطعم فى العالم العربى بما يعادل اقل من استرلينى واحد ,,,الاجابة هى ….سحـــــــــــر المكـــــــــــان.[/B]