عبد اللطيف البوني

قلبي عليك يمور


[ALIGN=CENTER]قلبي عليك يمور [/ALIGN] ما أقسى جهلك ياغسان، لقد مزقت نياط القلوب وانت تمسح (بفوطة) سيارتكم وتشكو من كثرة الغبار النازل عليها بسبب الجلبة التي أحدثتها كثرة المعزين في والدك الذي رحل للتو، أنت لا تعلم ان هذه السيارة ليست ملك والدك انما تملكها حكومة السودان وبعد (رفع الفراش) سوف تسلم ضمن عهدة والدتك، ربما (تدق) مؤسسة والدك صدرها وتقرر و(بمباصرة) ما ترك السيارة للورثة، ولكن حتماً لن تمكث طويلاً لأنها سوف تباع لتسديد بعض مصاريف شقيقتك التي تدرس الطب على النفقة الخاصة، فهي عندما تعلق قلبها بدراسة الطب ولا سبيل لذلك إلا الطريق الخاص، قال لها والدك انه قد يستطيع تدبير ذلك الامر ولكنه يخشى عليها اذا مات وهي في منتصف الطريق، فساعتها سوف تلتهم كل مدخرات الأسرة لأن الجميع سوف يصرون على مواصلة دراستها وكأنه وصية من وصايا المرحوم.
ما أقسى جهلك ياغسان وأنت تذب أقرانك من العربات المتجمعة أمام منزلكم بحجة انها عربات ضيوفكم وأنت سعيد بها وللمرة الثالثة في هذا العام فقد جاءت ذات العربات عندما توفيت جدتك لوالدك وجاءت مرة ثانية عندما عاد والدك من الحج، ولكن هذه المرة كانت الأكبر وكانت الأكثر وكان عدد جوالات السكر والخرفان النازل منها أكبر بيد انك لا تعلم انها المرة الاخيرة التي سوف تشهد فيها أسرتكم مثل هذه (الملمة)، فسبب مجيئها قد رحل، اللهم الا اذا كبرت انت أو أحد اخوتك وأصبح موظفاً كبيراً في الدولة وحدثت مناسبة.
ما أقسى جهلك ياغسان وأنت تتقافز في صيوان العزاء المنصوب الى جوار الشجرة وتقول ان شجرتكم (عملوا ليها صالة)، فبعد ان تنتهي أيام (حبس) أمك سوف تغادرون هذا المنزل الحكومي وترجعون الى الاهل ويقتطع لكم جزء من (البيت الكبير) كي تبنوا عليه منزلكم الجديد، ولكن لابد لكم من بيع قطعة الارض التي منحت لوالدك في الخطة الاسكانية والتي لم يفلح والدك في بنائها لأنه كان لا يملك (ثمن حفر الساس) كما كان يتهكم على نفسه ويبدي استغرابه من زملائه الذين شيدوا الطابقين والثلاثة، فيا غسان سوف يصبح هذا المنزل والشجرة ذات الصالة مجرد ذكرى في مؤخرة دماغك لتعرف كنهها عندما تكبر ان شاء الله.
ما أقسى جهلك ياغسان وانت تسأل لماذا لا تقدم (سلطة الفواكه) للضيوف المعزين لأنك تعلم جيداً ان والدك كان من المحبين لسلطة الفواكه وحجته في ذلك انه يمكنك ان تشكلها على حسب الفاكهة الموسمية، ففي موسم المنقة يكون تسعين في المائة منها منقة وكذا في موسم البرتقال وموسم الموز، كان عندما يقبل عليها وسط أطفاله يقول لهم (نحن سلطة الفواكه دي ما شفناها الا في صفرة الجامعة هيا الغفوا) ولكن ما لا تعلمه ياغسان ان كيس الفواكه هذا لن يدخل منزلكم عند الاصيل في مقبل السنوات القادمة.
لقد جعلت مآقينا تنزف ياغسان بجهلك هذا ولا ندري ان كنا نبكيك أم نبكي والدك عزيز دنيانا الذي رحل أم نبكي أنفسنا أم نبكي الطبقة الوسطى في بلادنا التي أصبح رزقها ورزق عيالها مربوط بوجودها العضوي أم اننا نبكي كل هذا؟

صحيفة الرأي العام – حاطب ليل
العدد(22692) بتاريخ 24/6/2009)
aalbony@yahoo.com


تعليق واحد

  1. هذا حطب صندل يا بوني هل جمعته بليل ؟؟
    التحية لك ولحطبك فاني اشتم رائحة الصندل والعود وغدا نعود

  2. ها قد عدنا يا استاذ
    حكاية غسان كانها بحذافيرها تنطبق على شخص اعرفه ودع الدنيا بعد ان كان موظفا بالمالية وصل الى درجة مستشار بالمالية
    هل يا ترى تتكرر هذه الماساة باستمرار؟؟ و الله لكانك قد حضرت وعاصرت موت هذا الانسان اخي البوني!!!
    لك التحية مرة اخرى مع عاطر الأمنيات