داليا الياس

في بيتنا جاسوس

[JUSTIFY]
في بيتنا جاسوس

# سواء أكانت صغيرة أم خطيرة، بسيطة أم معقّدة، مُحرجة أم عادية، فللبيوت أسرارها التي يرغب أهلها في المحافظة عليها في طي الكتمان، لكن أحياناً يحدث أن ينتشر سر البيت ويذيع ليعم القرى والحضر، لدرجة تدفعك للحيرة والتساؤل لتكتشف أن الواشي هو طفلك الصغير الثرثار الذي نقل بثرثرته البريئة خصوصية البيت إلى رصيف الشارع|.

#حكت لي صديقتي بقلق عن طفلها الصغير الذي يثرثر بكل ما يحدث داخل البيت من صالح وطالح لزملائه ومعلماته بالمدرسة، وأعربت لي عن قلقها من تفاقم هذه العادة السيئة مع الزمن، مؤكدة أنها فعلت كل ما في وسعها لتردعه عن هذا الأمر فلم يرتدع.

وكانت آخر فاجعة كشفه لخبر طلاق خالته الذي لم تكن العائلة ترغب في إعلانه على أمل إصلاح ذات البين بينها وبين زوجها خاصة وأن المأساة في بداياتها.. ولكن بعد أن تكفّل الصغير الخطير بإعلان الأمر على القاصي والداني، تفاقمت الأمور وتدخّل أفراد الأسرتين وأصبحت المشاكل تجر بعضها جراً حتى استحالت العودة بينهما.

# ونحن نعلم أن الأطفال كائنات لطيفة وبريئة، تبعث جواً من الحيوية وتُضفي البهجة على الحياة، لكنهم أحياناً يتحولون إلى مصدر إزعاج وتوتُّر، لا سيما فيما يختص بأخبار البيوت، فهم بعفوية وبراءة شديدتين ينقلون ما يسمعونه أو يرونه حولهم من أحداث وينشرونها بسذاجة وهم يثرثرون ببساطة مغموسة في شقاوة العمر الغض ذلك أنهم وبحكم أعمارهم ونقائهم لا يدركون فحوى ما ينقلون ولا أبعاده وآثاره ولا يحسبون عواقب ما يفعلون.

بعض الأطفال يكفيه أن يُسأل سؤالاً واحداً، حتى يبدو الأمر وكأننا ضغطنا على زر المذياع ليفتح فمه الصغير ويثرثر بكل شيء دون ترتيب، والمشكلة أننا نفرح في بداية الأمر لأن صغيرنا اللطيف يتمتّع بفصاحة مُلفتة وذكاء مُتّقد بل ونبالغ في عرض مهاراته على الآخرين بزهوٍ حتى يتحوّل الأمر من مجرد طفل اجتماعي مُبهج، إلى جاسوس صغير يصعب السيطرة عليه تماماً.

والنتيجة أن تقديم أسرار الأهل مجاناً للأقرباء والغرباء قد يُدخل الكثير منهم في مواقف طريفة وأحياناً محرجة ومزعجة ومن حيث لا يدرون، ثم لا يعلمون الوسيلة المناسبة لتلافي الأمر ومعالجة هذه المشكلة التي بدأت صغيرة وغير جدية وتحوّلت إلى أزمة حقيقية تتسبّب في مصائب كثيرة بين الأصدقاء والمعارف وحتى أهل البيت أنفسهم.

# ونحن لدينا في المنزل ابنتي الصغيرة التي تُعرف بيننا بـ (رويتر) لأنها اكتسبت عادة سيئة فما أن يعود أحدنا إلى المنزل من الخارج سواءً أنا أو والدها أو تأتي والدتي لزيارتنا حتى تبدأ في قراءة نشرة الأخبار المنزلية تلقائياً ودون أن يطلب أحدٌ منها ذلك!!

فتحدثنا عن من جاء ومن ذهب ومن بكى ومن ضحك ومن نام ومن أكل ومن تشاجر من إخوتها ومن اعتدى عليها وما حدث خلال يومها الدراسي وحتى ما قيل من أحاديث بين الأفراد وما جرى في مسلسلات التلفزيون من أحداث!!

وكلّما شكوت من الأمر هدّأ والدها من روعي مؤكداً أنها ستُقلع عن هذه العادة بعد حين، فهي لازالت صغيرة وأخشى أنه يمنيني بالمحال والأماني العذبة وأنها ماضية في طريقها لتتحول للنموذج الإنساني النسائي الثرثار والفضولي الذي أمقته وأعاني منه.

# والعلم يؤكد أن للأهل باع طويل في الأمر، فبعض الأمهات يدفعن أطفالهن إلى هذا السلوك المشين والبعض لا يفصل بين مجالس الكبار والصغار وآخرين يشكّلون هم أنفسهم قدوة سيئة أمام الأطفال فيقلدونهم في التجسُّس والنميمة وإفشاء الأسرار، وبعض الأطفال يقومون بذلك في مرحلة عمرية معينة ولا يدركون العواقب، ولكن سرعان ما يتغيرون ما لم يتم ترسيخ الأمر في عقلهم الباطن بالعنف والعقاب الصارم والصراخ، فعلينا أن نحتاط في أحاديثنا أمام أطفالنا ونلهيهم بما يتوافق مع أعمارهم حتى يكبروا ويقدِّروا ويفصلوا بين ما يقال وما لا يقال من أسرارنا المنزلية الحربية وغيرها بإذن الله.. هداهم الله ورعاهم ووفقهم للكتمان والحكمة.

تلويح:

قديماً قِيل: “خذوا أسرارهم من صغارهم” فاحترسوا !
[/JUSTIFY]

إندياح – صحيفة اليوم التالي