أكثر من وجه
# لم أكن أتوقع أن هناك فعلاً إنسان له القدرة على التحول لهذه الدرجة. وكلما قابلني نموذج بشري للنفاق والتناقض في حياتي اليومية بررت ذلك بكونها حالة فردية عارضة، أما أحاجي مرضى (الشيزوفرينيا) وغيرها من أمراض الوجوه المتعددة، فكنت أظنها لا تتجاوز بطون الكتب والروايات الغامضة والأفلام الأجنبية المفزلكة والأساطير القديمة.
ولكن ها هم الأطباء النفسيون والباحثون في مجال السلوك الإنساني يدعون وجود مثل هذا النموذج البشري في واقعنا. والغريب أن مثل هذا الإنسان المتعدد لا تبدو عليه أي علامات مرضية محددة، ولكنه يكون في تمام عافيته ويمارس حياته اليومية بصورة طبيعية, غير أن واحداً من تلك الوجوه يطفو إلى السطح للحظة قد تكون كافية لقيام هذا الشخص بتصرفات غريبة غير محمودة العواقب ولها ما وراءها دون أن يشعر هو نفسه في كثير من الأحيان بفداحة ما قام به ولا يتوقع نتائجه.
تلك التصرفات ليس بالضرورة أن تكون جرائم أخلاقية أو انحرافات سلوكية، ولكنها قد تكون تصرفات شريرة صغيرة من بينها الفتنة والجحود والكذب اللا مبرر وغيرها. أما في أسوأ مراحل هذا التعدد، فيتحول الشخص إلى آخر تماماً في كل تفاصيل حياته، ولكنه ينسى كل ذلك تماماً حالما عاد لوجهه الأول. وهذه ليس حالة روائية وهمية ولكنها نماذج موجودة في كل المجتمعات.
# وهذا الاضطراب التحولي عبارة عن مرض نفسي معروف يتسبب في تحول شخصية الإنسان تحت الضغط المعنوي الشديد. ويتسبب في العديد من الإشكالات والأزمات الاجتماعية وحتى القانونية, إذ لم يتم تحديداً وضع تعريف واضح له ولم يدرج تحت أي قانون جنائي معين. وبالمقابل يتسبب أيضاً في خلق مشاكل طبية وعلمية في الدول المتقدمة التي تتعامل معه كمرض عادي يستحق صاحبه العلاج والرعاية, أما نحن فنعامل مثل هذا الإنسان المتذبذب في سلوكه ومشاعره، الذي لا يعي أحياناً ما يقوله أو ما يأتي به من تصرفات على أنه فقط مرهق أو عصبي أو أحمق.
وبعض المصابين بهذا الاضطراب التعددي يمعنون في الكذب حتى يصدقونه، فتجد الواحد منهم بطلاً لمئات البطولات وموظفاً في أكثر من جهة وصديق لعلية القوم وحتى لو بدأ الأمر بمزحة يمضي هو في تصديقها ولا يعنيه ما يواجهه في كثير من الأحيان من حرج. وهؤلاء في الغالب أشخاص أسوياء ليس لديهم مرض عضوي.. وذكاؤهم عادي، ولكن ربما يعاني بعضهم من حالات اكتئاب معلنة أو خفية، ويشكون في العادة من الصداع بسبب ما يبذلونه من مجهود ذهني للبقاء متيقظين ومسيطرين على الوضع كما يظنون، فهم غالباً لا يتوقعون أن يكون قد أصبح للآخرين رأي سالب في سلوكهم، هذا وما يصدر منهم من أفعال.
# ويؤكد الأطباء أن معظم المصابين بهذا المرض يكونون بلا أصدقاء مقربين وعلاقاتهم الاجتماعية، وحتى المهنية سطحية. والعديد منهم يكونون قد عانوا من طفولة بائسة وحياة صعبة في ماضيهم قد تصل حد التضرر من سوء معاملة الأهل. كما أن الجدير بالذكر أن معظم من يعانون من هذا الاضطراب التعددي يكونون من النساء!! ربما لهذا يشكو معظم الرجال من أن زوجاتهم (كل يوم بي حال).. فهل علمتم الآن السبب؟ لا أتوقع منكم أن تجدوا لهن العذر، ولكن أخشى عليكم من أن يروق لإحداهن يوماً أحد الوجوه التي لن تستطيعوا عليها صبراً.
# تلويح:
داخل كل منا قبيلة.. يخرج منها علينا يوماً بفارس أعزل ويخرج في اليوم التالي بآخر مدجج.. في كل الأحوال دع سيفك في غمده ولكن.. بالقرب منك!!
[/JUSTIFY]إندياح – صحيفة اليوم التالي