جعفر عباس

الحصة سلامة

[JUSTIFY]
الحصة سلامة

ووصلنا الى معهدنا اللندني بعد معاناة مع قطارات الانفاق والسلالم الكهربائية، وكان أول انطباع لنا عن أسرة التدريس إيجابيا، فقد طلبوا منا ان ننادي كل واحد منهم باسمه الاول، وفي ذلك الزمان كان الانجليزي يعتبرها اهانة ان تناديه باسمه الاول ما لم تكن صديقا او قريبا من الدرجة الاولى، وهكذا أعفونا من حكاية مستر/ مسز/ مس، والسودانيون غير ميالين لاستخدام الألقاب والكنى، ولا يستخدمون ألقاب التفخيم حتى مع أكبر راس في البلد، فرئيس السودان الحالي هو عمر البشير، وفي المخاطبات الرسمية «السيد عمر البشير» وأرحنا أنفسنا من حرج مخاطبة النساء بادئين بـ«يا ست»، و«يا آنسة»، فنكتفي بـ«بنت العم»، فليس هناك علامة أو سمة معينة تستطيع بها التمييز بين من هي متزوجة ومن هي آنسة. ولا تقل لي «الدبلة»، بذمتكم كم منكم يستطيع أن يتذكر عندما يتطلب منه موقف ما مناداة امرأة لا يعرفها ما إذا كانت دبلة الزواج تُلبس في اليد اليمنى أو اليسرى؟ وبعدين في زماننا هذا صارت كل شابة أو عجوز ترتدي عددا كبيرا من الخواتم، فلا تستطيع تمييز الدبلة من خواتم القيافة، وما فيها شيء لو خاطبت سيدة متزوجة بـ«آنسة»، فقد تعتبر ذلك مدحا «تبدو صغيرة ولم تبلغ سن الزواج»، ولكن يا ويلك إذا قلت لواحدة غير متزوجة «يا ست/ سيدة»، لأنها على أقل تقدير «تقليب مواجع»، وربما تعتبرها تذكيرا بأنها من المعنيين بمقولة شاويش اليمن الذي صار رئيسا مزمنا للبلاد بالصدفة لمن حاولوا الإطاحة به: فاتكم القطار (ثم وجد المسكين نفسه على الرصيف بينما ركب عامة الشعب القطار).
وبعد الجولة بدأ الدرس الأول: السلامة في حالة حدوث حريق، ومن ثم التعريف بمخارج الطوارئ وكيفية تشغيل أجراس الإنذار عند رؤية لسان من اللهب، ومكان التجمع بعد الخروج من المبنى، مع تدريبات في استخدام أجهزة الإطفاء، مصحوبة بتحذير «لا تحاول إطفاء حريق كبير.. عند سماع صفارات الإنذار اترك المكان فورا ولا تشغل نفسك بجمع حاجياتك الخاصة، ولا تستخدم المصعد الكهربائي»، والإنجليز أكثر أهل الأرض تحوطا ضد الحرائق، وما من بريطاني إلا ويعرف تفاصيل حريق عام 1666، الذي استمر أربعة أيام ودمر وسط المدينة بالكامل مما تسبب في تشريد سبعين ألف شخص من إجمالي سكانها الذي كان يبلغ 80 ألف شخص، وهكذا فمنذ أكثر من 4 قرون، ظل هاجس السلامة من الحرائق في وجدان كل بريطاني.
ثم دارت الأيام دورتها وحصلت على وظيفة بمسمى «اختصاصي ترجمة» في شركة أرامكو النفطية، واكتشفت أن ضوابط السلامة فيها أكثر صرامة من لندن، بل إن أرامكو كانت تحرم الموظف الذي يتم ضبطه وهو يقود سيارة تخص الشركة، وهو لا يربط حزام الأمان بالحرمان من العلاوة السنوية، وهكذا صرت شديد الانتباه لمثل تلك الضوابط، وأذكر أنني بعدها بسنوات كنت أعمل في شركة الاتصالات القطرية (كيوتل التي صارت اليوم «أوريدو») عندما ولولت صفارة الإنذار من الحريق، وكان مكتبي في الطابق الـ 16، ولم أتردد لحظة في الهبوط إلى الأرض باستخدام السلم/ الدرج، وخرجت من المبنى ووجدت سيارتي إطفاء وسيارة إسعاف، وبدون تردد صعدت في سيارة الإسعاف، فقد كان صدري يكرر كأكورديون أوتوماتيك، وعرفت أنني في تلك اللحظة كنت أدفع ضريبة التدخين والترخيم والانسداح والتناحة اي قلة النشاط الجسماني رغم أنني كنت قد أقلعت وقتها عن التدخين منذ سنوات طويلة. ما أحزنني هو أنه لم يكترث لصفارة الانذار سوى 3 موظفين من اجمالي 700 موظف، وكان الغرض من الإنذار تدريبيا أو تقصيا لمدى وعي الناس بأهمية التجاوب مع مثل تلك الإنذارات.
[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]

تعليق واحد

  1. فقط ملاحظة يا ابو الجعافر عن كيف نفرق بين المراة المتزوجة والغير متزوجة فى السودان. المتزوجة فى اغلب الاحيان عليها حنة فى يديها الاثنتين. وفى هذا الزمان صارت الغير متزوجات (البنات) يرسمن الحناء على اليد اليمنى فقط.

    بالمناسبة نحن السودانيين لدينا مقياس احساسى داخلى نعرف اذا كانت المراة متزوجة ام لا…..