أبشر الماحي الصائم

احترس.. أمامك تأريخ

[JUSTIFY]
احترس.. أمامك تأريخ

وإن بدا هذا المقال يخاطب أشوق منطقة بعينها في توثيق بعض مقتنياتها إلا أنه يهم الجميع.. فكلنا نشترك في جريمة تأريخنا الشفاهي وعدم الحفظ والتدوين.. فضلا عن أن كل جزرنا ووهادنا وقلاعنا ومضاربنا السودانية هي مظان تراث وتأريخ وبطولات.. فأينما يممت وجهك فثمة قيم ومكتسبات تحتاج لمن يحرزها ويسورها ويكتب على مداخلها (احترس.. أمامك تاريخ).. وأذكر في هذا السياق أني كنت ذات يوم أمشي راجلا في مدينة بربر.. فإذا بي أمر من تحت لافتة المدرسة الأهلية التي تأسست عام 1902.. فلم أملك ساعتها إلا أن جثوت على ركبتي على سفح كثبان المدرسة من الخارج إجلالا ورهبة.. ثم اجتاحني رعب من أن ينهض أحد ثوارنا المحافظين ذات لمة وتحت شعار الإعمار والتحديث، فيحطم بجرافاته وجنوده هذا التأريخ وهم لا يشعرون.. ولئن كنا أمة تحتفي بتأريخها لأقمنا (سلك شايك) حول هذه المدرسة التي مضى عليها أكثر من قرن من الزمان.. هل تدركوا – والحال هذه – أن إمبراطورية مثل الولايات المتحدة الأمريكية التي تكاد تدير العالم باقتصادها وسطوتها الباهظة.. هو أن عقدتها الوحيدة أنها تتشكل من (شعب ملقط)، وأنها أمة بلا تأريخ.. فراحت تعبر عن خسارة التأريخ ببناء بعض الأشياء المادية الشاهقة.. فرأيتم كيف فقدت الإمبراطورية صوابها يوم تحطمت أبراجها في شبه جزيرة مانهاتن بنيويورك في ما عرف بأحداث سبتمبر.. فتلك الثورة الحمقاء التي طالت الأبرياء حول العالم مبعثها هو أن الذي تحطم هو تأريخها البديل !

* اجتهدت وصديقي الصحفي عثمان محجوب الذي اختفى في حقول نفطية مجهولة.. ذلك بعد أن ودع مهنة الدواية والقلم ملتحقا بوزارة النفط متلحفا بتراثيتنا (يا صاحبي الفقر أنا وانت ما تفارقنا شرِّق عديل غرَّبنا).. على أن الدولار والدينار أصدق إنباء من الكتب.. اجتهدنا في فترة سابقة في تحريض بعض ربعنا لتمويل مشروع فيلم وثائقي عن منطقة الباوقة الكبرى شرقا وغربا.. ومنطقنا يومئذ يرتكز على مخاطر أن هذه المنطقة المعنية الغنية بالجمال والقيم تهدد بقاءها مخاطر عديدة.. فإن هي نجت من سد الشريك.. ولن تنجو.. فلن تنجو من (الهدام).. هذا من الناحية الجغرافية، فأما من الناحية التأريخية فإن النسخة الأصل من سيرتها ومسيرتها التي تحمل في الصدور لا محالة ستدفن مع سدنتها وحملتها في القبور.. ذلك كسائر تأريخنا السوداني الشفاهي الذي قُبر قبل أن نتداركه.. فنحن تلك الأمة التي تصنع أشياءها بالنهار ثم تهرع في المساء إلى الـ (بي بي سي) و(الجزيرة) لتسمع وتشاهد ما صنعته بأيديها.. ومعزورون كل أولئك الذين طرحنا عليهم الفكرة ولم يتجاوبوا معها ولا ذنب لهم سوى أنهم ينتمون إلى أمة كلما استمع أثرياؤها ومصرفوها عبارة (الاستثمار الثقافي) لايملكون إلا أن يتحسسوا مسدساتهم..

فالذي شجعني لإعادة إنتاج تسويق وترويج هذه الفكرة.. هو أولا إعادة تحميلها على الوسائط الإعلامية الحديثة التي بلغت ما بلغ الليل والنهار لتتفاعل معها شرائح المهاجرين التي تكتشف قيمة أوطانها من خارج الإطار، وفي جيبها بعض دراهم وريالات وجذوة.. وعلى طريقة أحمد مطر.. وطن يلم شتاته في الاقتراب.. ثم.. فثمة أجيال جديدة يتشكل وعيها الآن تدرك أكثر قيمة التوثيق والفعل الثقافي.. فأمة بلا تأريخ هي أمة بلا ذاكرة وبلا مستقبل.. وفوق ذلك أمتلك تفاعلاً محفزاً من المنتج الوثائقي السوداني سيف الدين حسن صاحب الميداليات الذهبية لأعماله الوثائقية.. مراكب الشمس وصائد التماسيح ورث الشلك ودارفور لعنة الرصاص و.. و.. للفكرة بقية ..

[/JUSTIFY]

ملاذات آمنه – صحيفة اليوم التالي
[EMAIL]Malazat123@gmail.com[/EMAIL]