لبنى عثمان

الوقت.. هاتف صامت

[JUSTIFY]
الوقت.. هاتف صامت

غريب أمر هذا الوقت المتسربل بالصمت والغيوم وتناقض الإرادات.. أداة تعرف كيف تجوعنا وكيف تُشبعنا، وكيف تهدئنا وكيف تزلزلنا وكيف تحزننا وكيف تفرحنا.. غرابته في القدرة على الهيمنة في تحريك كل شيء، يحرك القلوب بنظرة، ويفتت الجبال ببسمة، ويفجر الأرض بهمسة.. قمة الجمال بحضوره وأنت في شرودك في لهوك وفي صحبتك.. أحياناً نشعر أننا نعرفه أكثر من أنفسنا، وأحياناً نشعر أنه لغز كبير لا تستطيع قوة أن تفك رموزه.. جميعنا نقف حين يتقدم نحونا ولا قدرة لنا على الابتعاد.. لا مجال للسير إلى الخلف حتى وإن تداخلت بنا الخطوط والمسارات.

فهو في حالة زحف تام ومستمر نحونا..

(الوقت) أداة صامتة، يركض مسرعاً نحو فراغ الزمن.. يجعلنا نلهث خلفه دون وعي بكل الأشياء التي تمر بنا، وتتركنا ننسى أن ما يمر لا يعود أبداً، وأن ما ينساب لا ينحصر أبداً.. يخترق السكون فتجدنا نلتفت لنرى المكان يداعبه ذكرى مضت.. هنا ضحكنا.. هنا جلسنا. هنا احترقت رغباتنا ومتنا.. هنا جلس خيال بخطوط مركونة على حائط تداعى وسقط.. ذكريات رمادية بهدوئها.. بلقاءات رسمت في الماضي. برغبات الجنون وبشعور حنون في نفحات زمان مركونة أخذها القدر ومضى.. أجمل مافي غموضه وضوحه، وأجمل ما في وضوحه هو غموضه.. كالهاتف الصامت لا نحسه ولا نسمع رنته، لأنه على الصامت، وحين ندركه نجده قد امتلأ بالكثير من التفاصيل.. مكالمات فائتة.. تاريخ انتهى.. زمن ولى وانقضى..

إننا في زحام الركض خلف الممكن والمستحيل ننسى قلوبنا وربما شيئا من ذكرياتنا أو أشياء من أرواحنا.. ولا ينفع حينها الندم أو الرغبة في الرجوع إلى الخلف.. فالوقت كعادته غادرٌ ولا يعترف بالتراجع أو الحنين لذلك الذي غاب دون اهتمام، ودون ما يكفيه من حب ووفاء.. ماذا لو يتوقف الزمن عند لحظتك الأجمل حيث لا تتحرك عقارب الساعة ولا تدق الأجراس لتعلن انتصاف الليل أو النهار.. ماذا لو نتمكن من الضغط على زر التوقف لتتوقف تفاصيل الحياة عند مكانها.. فالأشياء الجميلة لا تأتي دائماً..

لذلك كان الوعي مهماً بحدة الوقت واندفاعه نحو قلق اللاعودة.. فربما كان الوعي به حافزاً على التمسك بما نحب ومن نحب.. فتسربه من بين أصابعنا كساعة رملية متأنية تسكب ما في جُعبتها سيجعل من الآخر أكثر قيمة، وربما تمسكنا بتلابيب الزمن حتى لا يغدر بنا كعادته، ويسرق هدوء الروح ليذهب إلى جحيم المستقبل المجهول لدرجة الفزع..

وربما لذلك اخترعت الكاميرا.. لتخلد اللحظة الثمينة التي تعرف تواطؤ الزمن ضدها.. وحتى اختراعها لم يستطع أن يعالج جروح فراقها وقسوة هجرتها نحو لحظة مقبلة.. صامته وخالية من معاني الدفء التي كانت لسابقتها.

وأظن لو سُئلت عن أي لحظة يمكنني أن أوقف الزمن عندها سأحتار أيها.. فحتى لحظات الألم تحمل جمالاً ما..

لكن يبقى السؤال : أي اللحظات أجمل وأحق بالبقاء؟

أظنه العمر بأسره يستحق البقاء ويستحق أن يتنازل الوقت عن مستحيلاته من أجله..

ولا يغيب عنا أن ندرك ونحس أن أجمل الوقت وأكثره عظمة هو الوقت الذي نقضيه بصحبة خالقنا عز وجل دعاءً وتقرباً وابتهالاً..

**أجمل الوقت **

إلهي.. يا من خلقتني من تراب.. يا من تملك ولا أملك.. يامن لك القدرة اللامتناهية.. يا من لا أملك أمام جلال عظمته سوى الخشوع التام.. فالانصياع.. أدعوك دعاء الخاشع أن تعفو عني إن أسأت يوماً ما.. أو لحظة ما، في أي وقت كان، وفي أي وقت سيكون.. وأن تغفر لي زلاتي وخطاياي.. فما الحياة إلا متاع غرور، وما النفس إلا أمارةٌ بالسوء.. أدعوك يا رب العرش العظيم أن تمحو سيئاتي.. وأن تضاعف حسناتي لأنجو نجاة الأنقياء الطائعين.. لأكون في الجنة..

إلهي.. يا من له الكمال والعظمة.. أرجو أن تغفر لي بعضا من طموحي.. والذي قد لم يكن في محله.. ولم يرضك.. وإن كنت نسيت ما يرضيك.. وإن غفوت في غمرات هذه الدنيا الزائلة.. إن أخذتني عزة النفس.. إن اخترت نفسي وفضلتها على الآخرين.. إن تجاهلت غيري من عبادك.. بسبب الحياة ولذاتها.. بسبب الدنيا ومتاعها.. فيا خالق الكون.. اجعل جل وقتي في حضرتك.. ولعبادتك.. وأمدّني بالخير فيه.. وكن يا رحمن على الدوام معي..

**اتكاءة **

لم تعد الأوقات كما كانت

لذا تألمت لآهات من قلبي فاضت..

(أرشيف الكاتبة)
[/JUSTIFY]

كلمات على جدار القلب – صحيفة اليوم التالي