صلاح الدين عووضة

الكوز !!!

[JUSTIFY]
الكوز !!!

*في زمن مضى ببلدتنا النوبية تلك اكتسب (الكوز) المذكور في عنواننا أعلاه شهرةً طاغية في مجالين عجيبين ..
*المجال الأول هو لوريات (السفنجة) ذائعة الصيت آنذاك بما كان يجريه (الكوز) من تغير في صوت محركاتها ..
*أما المجال الآخر الذي نال فيه (الكوز) شهرةً غرائبية فهو الخاص بـ(سبيل) الشيخ الوافد إلى البلدة ذاك ..
*ومن شدة الشهرة التي حاز عليها (كوز) الشيخ هذا فإن السبيل الذي هو مربوطٌ إلى سقفه بحبل تيل متين سُمي (سبيل الكوز) عوضاً عن (سبيل الشيخ) ..
* فقد كان الإهتمام الذي يُوليه حاج الشيخ لـ(كوزه) لا يقل عن الذي يوُليه لبيته ومتجره وأبنائه إن لم يكن أكثر مع حرصٍ على كل ما يخصه مما اشتهر به ..
*بل إن الاهتمام بـ(الكوز) هذا- من تلقاء الشيخ- كان أشد تعقيداً من أن تفهمه عقول أهل البلدة التي لم تحظ بنصيب من أبجديات علم النفس ..
*صحيح إنه كان (كوزاً) فريداً من نوعه – طولاً وحجماً ومعدناً وغرابة مقبض – ولكن ذلكم كله لا يكفي سبباً لتفسير شدة تعلق الشيخ به أكثر من الأزيار ذاتها التي يبتغي من ورائها الأجر ..
*وقلة من ذوي الشغف بالغيبيات مضوا بالتعلق هذا إلى ما بعد حدود المعقول ليقولوا إن صاحب السبيل يمكن أن يُصيبه بعض ما يصيب كوزه إن هو لم يحرص على (سلامته) ..
*ثم عبثاً حاولوا أن يُقنعوا الآخرين بأن (السر) في الإرتباط الغيبي العجيب هذا مرجعه إلى الشيخ نفسه الذي أولى شيئاً (مادياً) أكثر مما يستحق من الإهتمام (الروحي) ..
*وفي يوم حدث شئ غريب أعطى (منطق) أصحاب الشغف بالغيبيات هؤلاء قوةً من بعد ضعف ..
*فقد كُسرت ساق الشيخ اليُمنى مساء اليوم ذاته الذي كُسرت فيه (أُذن كوزه) صباحاً ولما يتلاش بعد صدى صياحه الغاضب من أرجاء البلدة ..
*ثم تناسى الناس – بفعل ليل يكر عليهم ونهار- حكاية المصادفة العجيبة هذه إلى أن حدث شئ أشد إثارةً للحيرة ..
*فإثر صرخة فجرت كتلة سكون البلدة – ذات ليلة – هُرع البعض إلى دار الشيخ ليُفاجأوا بأن إحدى بناته قد (خُدشت) جراء عود سقطت عليه وهو منتصب..
*وعقب صلاة الفجر تفقد السيخ (كوزه) فوجده مخدوشاً …
*أما المصادفة التي وضعت نهاية لدار عباس – وكوزه – فهي وقعت إبان فصل الخريف رغم إن الفصل هذا غير ذي أمطار بمنطقتنا تلك إلا لماماً ..
*فقد شوهد حاج الشيخ مهموماً يوماً – منذ ضحاه وحتى عتمته – بعد أن لاحظ (قداً) بأسفل كوزه ينسرب منه الماء ..
*وعند الدجى (قُدت) السماء لينسرب ماءٌ غزير لم تشهد البلدة مثيلاً له في تاريخها القريب ..
*و(تشرب) منزل الشيخ ، وتمايل ، وتضعضع – وقد كان مشرفاً على مجرى للسيولٍ قديم – ثم تهاوى أخيراً ..
*ولم يعد للشيخ من (وجود) في البلدة كلها ….
*وكذلك (الكوز !!!) .
[/JUSTIFY]

بالمنطق – صلاح الدين عووضة
صحيفة الأهرام اليوم

‫3 تعليقات

  1. تسلم يا عووضة دايما اجد المبررات لماذا اتابع مقالاتك بشغف وليشهد الجميع انك اذكي كاتب قرأت له وتسلم يا رائع