زهير السراج

عدادات الموت


عدادات الموت !! * تركيب عدادات لبيع الماء بنظام الدفع المقدم مثل الكهرباء، فكرة خطرة وعبثية بكل المفاهيم، فالماء ليس شيئا مثل الكهرباء، يمكن للانسان ان يتحمل انقطاعه بعض الوقت، كما أنه يرتبط ارتباطا مباشرا ولصيقا بصحة الانسان، فالماء النظيف عامل أساسى فى ارتفاع مستوى الصحة العامة وصحة الفرد، واللجوء لبدائل أخرى من المياه غير النظيفة فى حالة عدم توفر الماء النظيف يخفض مستوى الصحة العامة ويعرض صحة الانسان للامراض والاوبئة المرتبطة باستخدام الماء، وما أكثرها فى السودان !!
* وبالتالى، فإن حسابات تركيب (عدادات) ربما ينجم عنها تخفيض استهلاك الماء الى درجة اقل من الحد الادنى للحصول على المستوى المطلوب من النظافة لحماية الصحة العامة وصحة الفرد، أو اللجوء الى بدائل رخيصة وغير صحية، أو تجاهل شراء الماء، بسبب قلة المال ــ وهو ما تشكو منه الاغلبية ــ لا يجب ان تبنى على معايير تجارية بحتة تقوم على الربح والخسارة فقط كما يفعل صاحب أى مشروع تجارى يسعى لتحقيق الارباح فقط، وإنما هى حسابات أخرى طويلة ومعقدة تدخل فيها عوامل كثيرة جدا منها تنمية الانسان والمجتمع بما فى ذلك تحسين مستوى الصحة العامة وصحة الفرد الذى يعتبر الماء النظيف أهم مداخله.
* وحتى بحسابات الربح والخسارة فإن تركيب عدادات الدفع المقدم قد يكلف الدولة أكبر بكثير من الارباح التى تعتقد أنها ستحققها من هذه العدادات، باعتبار الاموال الضخمة التى ستنفقها على علاج ومكافحة أمراض المياه، سواء التى يتسبب فيها شح المياه، أو استخدام مصادر بديلة غير صحية !!
* قد تتحقق ارباح على المدى القصير، ولكن على المدى الطويل فإن الخسارة هى أمر مؤكد بكل المقاييس، فالمواطن السودانى لن يتحمل عبء فاتورة المياه، وسيلجأ الى بدائل رخيصة خاصة فى المناطق والاحياء الشعبية، ومناطق التجمعات مثل الاسواق وغيرها مما يعنى انحدار مستوى الصحة العامة الى معدلات أدنى بكثير من المعدلات الحالية، علما بأن الاستهلاك الحالى للانسان السودانى للماء النظيف أقل بكثير من الحد الادنى المطلوب للنظافة والصحة العامة، وسيزداد الامر سوءا بتركيب عدادات الدفع المقدم، الأمر الذى يحتم إعادة النظر فى هذا المشروع وبناء حسابات الربح والخسارة على أسس مختلفة، إلا إذا كنا ننظر تحت أقدامنا فقط ولا يهمنا ماذا يحدث فى المستقبل، الذى نراه بعيدا بينما هو أقرب إلينا من حبل الوريد !!
* الهيئة القومية للمياه اعتذرت للمواطنين عن فترات الانقطاع الطويلة للمياه من بعض أحياء الخرطوم وامدرمان بسبب تركيب عدادات الدفع المقدم مما رفع سعر برميل الماء (من النيل) الى أكثر من أربعين جنيها (اربعين ألف قديم)، وهو عبء إضافى ومرهق كان من المفترض أن تتحمله الهيئة، ولا يكفى فقط أن تعتذرعن السبب الذى قاد إليه، ولكن ليس هذا هو المهم .. المهم أن تفهم الهيئة ومن يقف وراءها من الذين استحلوا استنزاف المواطن السودانى بشتى الطرق والوسائل بغض النظر عن العواقب الوخيمة التى تنجم عن ذلك، بأن عدادات الدفع المقدم للماء فى بلد مثل السودان يعانى من مشاكل كبيرة خاصة فى مجال الصحة العامة، قد يعنى كارثة صحية حقيقية فى المستقبل القريب، لا تفيد معها خطب ولا شعارات ولا معالجات ولا أموال، فحياة أى انسان لا تقاس بكل كنوز الدنيا، فماذا عن شعب بأكمله !!

drzoheirali@yahoo.com
جريدة السودانى، 6 يونيو، 2009


تعليق واحد

  1. تحياتي لك يا دكتور، وبعدين يا أخوي بلا صحة بلا فلسفة معاك، ألفين جنيه بالقديم تدخل خزينة الباشبوزق احسن من ألفين زول من الشعب الفضل…ودمتم.

  2. هو معقول لكن يا دكتور نفتتح في السدود ومصانع الطائرات والمساكن الشعبية ونبيع في المويه حكمة والله وحكاية.

  3. دكتور زهير متعك الله بالصحة والعافية التي ينافح قلمك من أجل توفيرها لانسان السودان المغلوب علي أمره .. أسأل أي مخلص يعمل في هذه الهيئة عن عدادات الدفع المقدم وستسمع العجب فقد أثبتت فشلها سواء في الكفاءة أو التركيب أو الامداد هذا من ناحية أمامن الناحية الفنية فان قسم الصيانة بالهيئة في حالة استنفار مستمر بسبب الاعطال التي سببتها العدادات بسبب عدم تأهيل البنية التحتية لشبكة المياه وكما قلت- لافض فوك – هي نظرة قصيرة المدي وستجد الهيئة نفسها بعد عام واحد رجعت الي مربع واحد .. أما المواطن الغلبان فهو اخر اهتماماتهم فنحن في بلد يفكر مسئوليها في المواطن كاستثمار عليه ماعليه أما ماله فهي غير معنية به ..ربنا يصلح من يتولي ونأمل في الاصلآح علي يد المدير الجديد لعل وعسي ..