الإطلالة الأولى على أبو ظبي
دون سابق تخطيط وبدون «واسطة»، حصلت على عمل في أرامكو، ثم تركتها وعملت في قطر، وذهبت في إجازة إلى دولة الإمارات، وعرضوا عليّ عملا فـ«جلست» فيها، والآن وفي هذه اللحظة فإنني أكتب من فندق في الإمارات، ولا أذكر أنه مرّ عليّ عام خلال العشرين سنة الأخيرة، لم أقم فيه بزيارة الإمارات على الأقل 4 مرات، وكلما جئتها نشط أرشيف ذاكرتي، وعرض على شاشة افتراضية مدن أبو ظبي ودبي والشارقة، في مطلع ثمانينات القرن الماضي (أهل الإمارات ينطقون اسم المدينة / الإمارة الأخيرة «الشارجة».. بلدهم وهم أحرار يسمونها كما يشاءون، كما فعلوا بأبو ظبي التي ينطقونها «أبو ضبي»، وكما نفعل نحن السودانيين بالعاصمة المصرية «الغاهرة» والعراقية «بقداد»، وما زالت بي بعض حيرة في أمر المصريين لأنهم عادة يقلبون القاف إلى ألف «أ»، ولكنهم ينطقون اسم عاصمتهم بالقاف، في حين أنهم ينطقون «قنا»، «إنا»، أما الأقصر في جنوب مصر فيكلفهم نطق اسمها مشقة حلقية لأنهم يجعلونها «الأأقصر، بألفين بالهمزة بعد اللام)
كانت أبو ظبي التي حللت بها لأعمل في أول صحيفة إنجليزية في البلاد، صغيرة جدا من حيث المساحة، فمن جهة كانت تبدأ من الكورنيش على الخليج وتنتهي عند ما يسمى بشارع الدفاع، ومن الجهة الأخرى، كانت تبدأ من الخالدية وتنتهي عند شارع السلام، وكان تخطيط المدينة ولا يزال دليلا حيا على أن حاكم الإمارة ورئيس دولة الإمارات الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، «شاعر» عاشق للجمال، وأنه ورغم كونه بدويا وابن صحراء، كان مولعا بالخضرة ومدركا أنها تضفي سحرا أخّاذاً على كل مكان، حتى ليخيل إليك أن أبو ظبي كانت في الأصل حديقة ضخمة، ثم تقرر إنشاء أحياء سكنية في نواحيها، وكان أول شارع أقمت فيه في المدينة هو شارع الفلاح، ولكن الاسم الساري للشارع كان «الجوازات»، لأن إدارة الجوازات والهجرة كانت أول جهة حكومية تتخذ من مبنى يطل على الشارع مقرا لها، وما زال هناك شارع طويل وعريض في قلب أبو ظبي يحمل اسم «إليكترا» على ألسنة الناس بينما ظلت اللافتات الرسمية تقول غير ذلك على مدى أكثر من 30 عاما، وعندنا في السودان ما جاءت حكومة إلا وغيرت أسماء بعض الشوارع لاعتبارات سياسية، ولكن الناس ما زالوا يتمسكون بالأسماء القديمة لتلك الشوارع، فأكبر شارع في مدينة الخرطوم بحري تم تشييده على نفقة واشنطن ضمن برنامج للرئيس الأمريكي الأسبق دوايت آيزنهاور يحمل اسم «المعونة الأمريكية»، فصار الناس يسمونه شارع المعونة، وغيرت السلطات اسمه إلى شارع الشهيد عبد القادر الكدرو ثم شارع الضواحي، ولكنه وإلى يومنا هذا يسمى شارع المعونة، وفي نفس المدينة حديقة عامة أنشئت في عهد أول حكومة عسكرية في تاريخ السودان وحملت اسم رئيس الحكومة «عبود» وبعد افتتاحها بنحو عامين سقطت الحكومة بعد ثورة شعبية سقط فيها عدد من الشهداء فكان طبيعيا أن يسعى العهد الديمقراطي الجديد إلى محو آثار حكم عبود ويغير اسم الحديقة إلى «الشهداء»، ولكن هيهات، فما زالت الحديقة معروفة رسميا وشعبيا بـ«عبود»
وعلى مدى سنوات شهدت أبو ظبي بالعين المجردة وهي تتطور إلى مدينة ضخمة وفخمة، وكان من أجمل تجاربي فيها، افتتاح أول مركز تسوق فيه اسكاليتر (سلم كهربائي) وكان الناس يذهبون بالآلاف يوميا فقط للطلوع والنزول بالسلم، وكان أبو الجعافر وقتها قد صار خبيرا في استخدام ذلك النوع من السلالم بعد الفضيحة التي تعرض لها عندما زار لندن أول مرة وأصيب بانهيار عصبي عندما وجد ألا سبيل للخروج من مطار هيثرو إلا بذلك السلم الذي بدا مخيفا.
[/JUSTIFY]
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]
did you ever work in Darfur ?