هيثم كابو

إيلا وحي العرب

إيلا وحي العرب
[JUSTIFY]

* ما أن تطأ قدماك أرضها، وقبل أن تصافحك نسائمها العطرة حتى تشخص قوافي البديع صلاح أحمد إبراهيم أمام عينيك فتردد في نشوة:

يا قلبي دق لكن بشيش

من ديم مدينة.. وديم عرب وديم اب حشيش للمينا.. لي رامونا.. أو من أربعات لي ترب هدل.. من انقوباي.. ميل جاي..

وشيل عند الأصيل لى مصطفى شل.. بالله هل.. شفت الورد في باقة ماشي وفي شفايفو بيندي طل..؟

أو لمحة من شباك أطل.. شباكو شيش.. يا قلبى دق لكن بشيش…!

* وكيف يطلب الراحل المقيم صلاح أحمد إبراهيم من القلب ألا ترتفع دقاته وفي بورتسودان التي كتب عنها قصيدته الشهيرة تلك ما يدفع القلب للتوقف ناهيك عن ارتفاع الدقات وتقطُّع الأنفاس..

بورتسودان التي كانت تحتلها جيوش الذباب، وتستوطن الأمراض في أراضيها، ويقيم التردي على سواحلها، ويفتك الجهل بإنسانها، ويموت من (الحر) سكانها أضحت اليوم تحفة حقيقية وقبلة سياحية!

* زيارة واحدة منك لثغر السودان الباسم تكفي لإصابتك بالذهول في زمن ارتمى في أحضان العادية وخاصم فيه الناس الدهشة.. تجوالك في شوارع المدينة المسفلتة المنارة النظيفة سيجعلك تجزم بأنك خارج السودان.. لله درك يا (محمد طاهر إيلا)، كيف فعلت ذلك في وقت تشهد فيه معظم الولايات ترديا لا مثيل له، في زمن استباح فيه ضعاف النفوس أكل أموال الناس والاعتداء على المال العام بعد أن أصبحت السرقة (شفتنة) وركوب موجة الفساد (تفتيحة) وتعاطي الرشوة (ذكاء مهنى) وعدم التعامل مع المفسدين (سد لأبواب الرزق)!

* ينفخ والي ولاية البحر الأحمر د. محمد طاهر إيلا الروح في ولاية كانت تحتضر بعد أن قضت فى غرفة الإنعاش سنين عددا.. ويا ليت الأقدار لو أمهلت صلاح أحمد ابراهيم طويلاً لأنه بحق وحقيقة كان سيرى العجب العجاب، فكل شيء في السودان يرجع للخلف إلا بورتسودان.. كانت دقات قلب شاعرنا النحرير (أخو فاطنة) ستقول له إن الحياة تطور ونماء.. كيف لا، والدهشة تقفز العام الماضي من عيني الرئيس الإريتري أثناء تجواله برفقة رئيس الجمهورية ووالي الولاية بشوارع (المدينة الأنموذج)، ولم يجد أفورقي وقتها حرجاً في التعبير عن تلك الدهشة باعتباره رجلاً عاش في السودان ويعرف مدنه جيداً من خلال كلمته الرسمية في احتفال تدشين مهرجان السياحة والتسوق، الذي بات ساعده يشتد عاماً تلو الآخر، وشعبيته تكبر في كل موسم، وعدد رواده يزداد سنوياً.

والوزير الصادق المليك وأركان (طربه) يبذلون جهداً خرافياً كل عام وينافسون أنفسهم، إذ أن باقي الولايات لم تفق من غيبوتها بعد، وإن بدأ بعضها محاولات تقليد البحر الأحمر في إقامة المهرجانات (حتى وإن لم تتوافر لهم البنيات)، ولعمرى ان تأتي الولايات الأخرى للعمل الثقافي والسياحي متأخرة (على ضعف وكلفتة) خير من ألا تأتي!

* ظللت أزور بورتسودان في السنوات الأخيرة بانتظام لأنها مدينة تستحق أن تشد لها الرحال، وقبل أربع سنوات كتبت مقالاً بعنوان: (رأس السنة يا بورتسودان يا برا السودان)، وتضاعفت سعادتى بعد أن أصبح عنوان المقال (عبارة شعبية) يرددها الشباب في خواتيم كل عام.. وما زرت بورتسودان إلا ووجدتها كالعهد بها مؤخراً تحافظ على ألقها، وسحرها، وفتنتها، وطيبة أهلها، بل و(نظافتها) فى وقت نزور فيه مدن عديدة من ولايات السودان المختلفة فلا نجد شيئاً أكثر (اتساخاً) من شوارعها سوى (ضمائر المسؤولين) عنها من أصحاب الجلاليب (الناصعة)..!

* وتبقى التساؤلات الأهم: (هل حصلت ولاية البحر الأحمر على تأشيرة خروج من السودان فتحسن حالها لوحدها وباتت مقيمة بيننا بالجغرافيا فقط، أم أن أهاليها وواليها اجتهدوا وخططوا وثابروا وعملوا بتفانٍ فكان لهم ما أرادوا؟..هل عبرت بورتسودان البحر وجاورت جدة فأضحت تمشي على خطاها، أم أن حكومة ولايتها أرادت لها أن تمشي (تنموياً) على خطى جدة والإسكندرية وغيرها من المدن الساحلية ؟..

لماذا لا تفرض الحكومة على كل والٍ زيارة بورتسودان لمدة أسبوع؟، فإما أن يجعل حاضرة ولايته مثلها أو أن يتقدم باستقالته ويتيح الفرصة لقادم جديد، فالمدن السودانية الكبيرة ماتت إهمالا وظلت تنزف يوماً تلو الآخر دون أن تجد من يتكرم عليها ويمد لها يد الإسعاف!

* رحم الله ولاة معظم ولاياتنا الذين (كفّنوا) المدن حية، و(عمايلهم) تسعى (حية).. مدن كانت ملء السمع والبصر لم نعد نسمع لها ذكراً وإن حزمنا حقائبنا واتجهنا اليها عدنا من حيث أتينا دون أن نفتح (شنطة الهدوم)، فالمشهد هناك (لا يفتح نفسك) للإقامة، وتردي الأوضاع والحال الآيل للسقوط يفتح براكينا من اللهب(.. ويا أسفي وحسرتي على ود مدني وصويحباتها من مدن جز الضياع رقابها وأضناها التعب)!!.

* والقلب ينزف دماً عندما نجلس على ساحل البحر الأحمر لشرب قهوة (أدروباوية) خالصة، ويبدأ سفر المقارنات والأسى لحال بقية الولايات، وتطل برأسها عبارات السخط ومفردات الاستياء محشوة بكثير من الإحساس بالغُبن واللعنات.. ابن كل ولاية يريد لولايته أن تكون مشرقة مشرفة كالبحر الأحمر، ووالى الولاية (المتأسف على حالها) يريدها للجباية..

ومن الأفضل لنا ولكم أن نشد على ساعد ايلا بدلاً من الموت غما من أوضاع ولاياتنا التى تتردى مع إشراقة كل صباح وترفض أن تستفيق من غيبوبتها أو أن (تشد حيلا)..!

* الغريب حقاً أن إيلا خاض الانتخابات التي ينظمها المؤتمر الوطني لتحديد مرشحيه للولايات مثله مثل باقي الولاة وفاز فيها بفارق كبير، مع أن ما قدمه يمنحه حق البقاء والياً دون ترشيح أو تزكية أو (كثير جدل وتنظير)!

* فوز إيلا لا ينقصه شيء سوى صعود فريق (حى العرب) للدوري الممتاز .. و(وكل المطلوب الآن “السوكرتا” يفك الشفرة وباقي الولاة ياخدوا نقلة) ..!

نفس أخير

* ولنردد خلف صلاح أحمد إبراهيم:

.. (ويا سيد مهجتى الما ساد سواك..

جاييك اموت وارتاح حداك..

سميهو حب.. سميهو جن.. سميهو طيش..

أموت وتسلم لينا يا غالي وتعيش..

قرقورة لاصقة على الحجر..

عصفورة ضاميها الوكر..

مطمورة فضت لينا عيش..

شبورة نازلة على الاراك..

شبورة نازلة على الحشيش..

يا قلبى دق لكن بشيش!).

[/JUSTIFY]

ضد التيار – صحيفة اليوم التالي