الطاهر ساتي

شكراً صافنات .. فأين سارية ..؟؟


[ALIGN=CENTER]شكراً صافنات .. فأين سارية ..؟؟ [/ALIGN] ** قبل كذا سنة ، حين فكرت الحكومة ثم قررت طباعة العملة السودانية بالسودان ، أرسلت وفدا رفيعا الي إحدى الشركات العريقة بدولة أوروبية لاستجلاب خبير في هذا المجال .. وهناك تفاجأ الوفد الحكومي بمعلومة مفادها بأن مهندسا سودانيا مشهودا له بالكفاءة عمل بتلك الشركة في مرحلة من مراحل عمله ، وأوصت الشركة الوفد الحكومى بالبحث عن هذا المهندس السوداني ، فهو خير خبير .. ونجحت الحكومة في العثور عليه .. حيث وجدته يشغل منصبا قياديا رفيعا بالطيران المدني السعودي نظير راتب يساوي رواتب نصف أعضاء مجلس وزراء السودان يومئذ .. فأرسلت له الحكومة خطابا مفاده : البلد محتاجة ليك ، فهلا ساعدتنا في تأسيس وتركيب مطابع السودان للعملة .. فاستلم المهندس خطاب الحكومة ، وذهب اليوم التالي الي مديره طالبا قبول استقالته .. ثم توجه في اليوم الثالث الي مطار الرياض مباشرة قبل أن يرد المدير على طلبه بالرفض أو بالقبول .. وفي اليوم الرابع من استلام خطاب الحكومة ، سلم نفسه لإدارة مطابع السودان للعملة ومديرها العام المغفور له باذن الله إبراهيم الدسوقي براتب لا يساوي خُمس راتبه السابق .. واليوم كل ماكينات تلك المطابع تشهد للمهندس تاج الدين شمو بالوفاء والعطاء قبل الكفاءة التي شهدت بها تلك الشركة الغربية ..!!
** ثم ظل تاج الدين يؤدي دور المهندس والحارس بأمانة وإخلاص ، حيث كان يشحن المعدات بنفسه في الشاحنات ببورتسودان .. وبدلا عن الحضور الي الخرطوم بالطائرة أو بالبص السياحي، يرافق معداته في ذات الشاحنة أسبوعا ونيف حتى يطمئن قلبه على سلامة وصولها ..هكذا ظل تاج الدين وفيا وامينا حتى اكتمل المشروع وطبع السودان عملته الورقية لأول مرة في تاريخ السودان والعملة ..تم ذلك بأيد وعقول سودانية اجتهد في إدارتها فنيا تاج الدين وإداريا المرحوم ابراهيم الدسوقي ..بعد الإنتاج بنصف عام أو أقل ، تم فصلهما تعسفيا ، الدسوقي وتاج الدين ..حيث تم إبعاد الدسوقي أولا ، فجاء حسن عمر مديرا ليفصل تاج الدين تعسفيا ..حيث خرج من مكتبه ذات يوم ليصلي الظهر ، وعاد ليجد على مكتبه خطاب فصل بلا توقيع فحواه : استغنينا عن خدماتك ، سلم بطاقتك لاستقبال الشركة ..!!
** هكذا تم فصل تاج الدين الذي أحضروه من المملكة بخطاب فحواه : البلد محتاجة ليك ..هكذا انتهت علاقته بمطابع أحب فيها وطنه فقط لاغير ، فأخلص لتلك المطابع لأنه رأى في ماكيناتها كل ملامح بلده وأصالة شعبه وعراقة تاريخه .. وعندما سألت تاج الدين ذات يوم : هل ندمت على إنجازك بسبب الفصل التعسفي ..؟..رد ضاحكا : والله يا ساتي أنا ضعيف قدام جملة البلد محتاجة ليك دي ، والليلة لو قالو لي البلد محتاجة ليك تكون غفير في المطبعة ولا غيرها بشيل عكازي وبأجرى عليها .. وختم بجدية : النفوس والمواقف زائلة يا أخوي ، لكن سودانا ده هو الباقي للأجيال الجاية ، ولازم أى واحد يساهم بالبيقدر عليه عشان مستقبل أحفادنا يكون أحسن من حاضرنا ده .. وافترقنا ..ولله الحمد ، وجد تاج الدين موقعا أفضل ، وحياة أفضل تحفها نجاحات أنجاله النجباء الذين ساروا على درب والدهم تفوقا ونبوغا داخل وخارج السودان ..!!
** وماجئتكم بقصة تاج الدين شمو إلا لتكون مدخلا لقضية ظلت ولا تزال تؤرق الكل ، وطنا وشعبا .. كيف نحافظ على الكفاءة السودانية القادرة على العطاء ..؟..أما آن الأوان لطي مرحلة : هاجرت كخبرات ، واستبدالها بمرحلة : استدعت كخبرات ..؟.. الكادر السوداني سادتي لا ينقصه حب الوطن ولا تطارده شهوة المال .. فقط ينقصه المناخ الملائم الذي يستوعب طاقته ويتفهم تفكيره ويسع عقله وعلمه ويبسط له الامكانات ليبدع .. كادر بحاجة إلي مناخ لا تعكر مهنيته أجندة الساسة وأحزابهم حين تتدخل فيما لا تعلم ..وما نهضت الأمم التي من حولنا إلا حين تركت المهن للمهنيين والسياسة للسياسيين ، بلا أي خلط للمهام والأدوار .. متى نرتقي بمفاهيمنا الي حيث مثلنا الشعبي المتوارث قولا لا فعلا : دع الخبز للخباز .. لو كنا نتبع هذا القول بالفعل في حياتنا العامة لما هاجرت خبراتنا لتنفع الآخرين .. والسعادة التي غمرنا بها بعض أبناء الوطن العاملين في صافات ، مردها هي عبارة : صنعت في السودان ..وقبلهم أسعدنا البعض الآخر في سارية بذات العبارة .. ولكن أين سارية الآن ؟ ، وأين تلك العقول التي اجتهدت ؟ ، ولماذا توقفت عند محطة البداية ؟ وهل هى محبطة بالداخل أم هاجرت كخبرات ..؟.. إجابات تلك الأسئلة والتوقف عندها بالتأمل والتدبر هو المدخل المناسب لا لتصنيع طائرة فحسب ، ولكن لصناعة …« وطن شامخ » .. !!
إليكم – الصحافة الاربعاء 08/07/2009 العدد 5759
tahersati@hotmail.com


تعليق واحد

  1. هنالك اناس كثر من شاكلة (شبو) قابعين على الارفف داخل البلاد وليس خارجهاتعوزهم لحى كي ينظر إليهم ولكنهم ممن تنموا لحاهم إلى الداخل ….كاتلاهم علة العفة