مدرستنا يا مدارس
كثيراً ما يعاودني الحنين لمقاعد الدراسة.. حيث أمضينا أزمان البراءة والنقاء ننهل من العلوم حين كانت علوماً حقة.. ونحيا مجتمعنا الدراسي بكل تنوعه الثقافي وثرائه من حيث المناشط والاهتمامات.
حينها.. كان للمعلم وزنه وبعده الاجتماعي وتأثيره حتى على حياواتنا الشخصية، وكان صاحب رسالة ومبدأ.. يتميز بأخلاقه وشخصيته الملتزمة.. وتضج جنبات المدرسة بصوته الجهور مثلما تهتز جنبات الطريق لوقع خطواته الواثقة المهيبة.
ذاك زمان يعلمه الكثيرون منكم ولهم معه ذكريات وحكايات وعليه ملاحظات.
الآن.. يعود أبنائي من المدرسة الخاصة التي يدرسون بها وننفق عليها الملايين بنتائجهم الدراسية لامتحانات نصف العام على سبيل المثال، فألحظ أنهم جميعاً قد أحرزوا الدرجات النهائية في المواد!! ثم أعلم أن غالبية طلاب الصف قد اشتركوا في الريادة!! وإنني لا أستكثر على هذا الجيل النبوغ معاذ الله.. ولكن الخواء الفكري الذي يعانون منه نسبياً.. والأخطاء الإملائية والتعبيرية التي يقعون فيها.. وافتقارهم للعديد من المعلومات العامة.. لا يؤهلهم في نظري – قياساً على أيامنا – لإحراز هذه النتائج المتقدمة.. لاسيما وأن لي تحفظاتي على المقررات الدراسية الجوفاء التي يخضعون لدراستها على مضض!!
أعلم أن اهتمام الأسر بتحصيل الأبناء الدراسي ومتابعتهم الدقيقه قد تزايد.. ولكن بالمقابل تراجعت قيمة المعلم واندثرت المدارس الحكومية ذات الثقل وتحول التعليم إلى تجارة رائجة يستثمر فيها المستثمرون ممن لا يعنيهم على الإطلاق مستوى الطلاب والفائدة التي يحققونها من انتظامهم بالمدرسة!
أن يشترك 20 طالباً في المركز الأول بالصف الدراسي ليس بالضرورة دليل عافية.. ولا يعني أننا نتقدم بقوة.. أو أن أبناءنا عباقرة.. فقد يكون – والعهدة على الراوي – قد تم إطلاعهم على أسئلة الامتحان بصورة غير مباشرة قبل فترة الامتحانات مثلما تفعل العديد من المدارس الخاصة!
أو كانت الامتحانات من السهولة بمكان بحيث لا تتعدى كونها مجرد واجب ثقيل على المدرسة أداؤه فحسب!
فهل تخضع الامتحانات في جميع المدارس للمتابعة والتفتيش والتقييم؟!
وهل هناك جهة ما معنية بمراقبة مستوى جودة الامتحانات والإطلاع عليها قبل وبعد أم أم كل مدرسة تمتحن طلابها على هواها؟!
لا أذكر أنني سمعت عن أي نشاط طلابي أو قرارات وزارية إيجابية مؤخراً عدا التغيير المرتقب للسلم التعليمي والزي المدرسي!!
نحن يا سادة لا يعنينا تغيير السلم أو الزي أو الوزير.. نحن يعنينا تغيير المنهج.. وتغيير نظرتكم لرسالتكم التعليمية.. وتغيير طبيعة المعلمين الحاليين الذين أصبح امتهان التدريس خيارهم الأخير الذي يأتونه غير راغبين.
وأخيراً.. أهمس في أذن من يهمه الأمر.. لقد رفضت ابنتي الصغيرة ذات السبع سنوات الذهاب إلى المدرسة.. ودخلت في حالة من الاكتئاب أثارت قلقنا وخوفنا، لنكتشف أن السبب وراء ذلك الخوف والإعراض هو معلمة القرآن الكريم المتزمتة التي ترتدي النقاب وتمارس الإرهاب!! أخشى أن يبدأ أبناؤنا في التذمر من دروس القرآن وسوره الطويلة ومعلميه غير المؤهلين للترغيب ولا يجيدون التعامل مع الأطفال.. وقس على ذلك!
تلويح:
طيب الله ثرى مدارسنا التي تغنينا لها.. ومدرسينا الذين أغرمنا بهم..
“مدرستنا يا مدارس.. ست ثريا حلوة خااالص”!
[/JUSTIFY]إندياح – صحيفة اليوم التالي