منصور الصويم

الأطلال


[JUSTIFY]
الأطلال

يقاسي المغتربون والمهاجرون السودانيون – مثلهم مثل غيرهم – مرارات الغربة والشوق إلى الوطن والأهل والناس والأمكنة، وأكثرهم قاوم ويقاوم فكرة أن يكسر الرحلة ويعود بأسرع ما يمكن إلى البلاد والالتصاق من جديد بأرضها التي يعشقها ولا يرضى بديلا عنها، وأكثر تجارب هؤلاء توضح أن كل منهم إن نوى مجرد النية تنفيذ هذه الفكرة العودة؛ تصله عشرات المناشدات من الأقارب والأصدقاء تطالبه بعدم التسرع والانتظار (هناك) وعدم العودة إلى (هنا).. في البداية مثلما سمعت من كثيرين تتركز المناشدات في أن “عليك خوض التجربة وإكمالها ما دمت قد سافرت” أو “انتظر سنة سنتين، حسن أوضاعك وبعدها ارجع”، ثم تتحول تدريجيا إلى تحذيرات تصل أحيانا إلى حد الصرامة “إياك والعودة، اقعد قبلك يا زول” و”أوع، البلد دي خلاص…” والساخرة جدا تكون على شاكلة “لو رجعت تكون دقست يا معلم، خليك مكانك واعمل نايم!”.

بكل تأكيد كل مغترب عن الوطن يتابع من مهجره التطورات (التدحرجية العنيفة) التي تواجه السودان، ويحزن بلا شك للحالة التي وصل إليها الواقع الاقتصادي والمعيشي للناس، بيد أن وتيرة القلق والخوف باتت ترتفع بازدياد مضطرد مع كل صباح ينقل أخبارا أسوأ عن الذي سبقه، على مستوى الحياة اليومية، التي يفترض أن تكون (عادية وإنسانية)، وعلى مستوى التحولات المجتمعية، وفي واقع (الضلال) السياسي المتفاقم؛ مقاسا آثار كل ذلك على الزول السوداني (المسكين)، الذي برر ساخرا قبل سنوات طويلة استمرارية حياته رغم سوء أحواله بامتلاكه قدرات (الحواة)، لكنه يواجه الآن بما هو فوق هذه القدرات السحرية.

هل هناك أسرة سودانية الآن ليس من بين أفرادها شخص مسافر مغتربا أو مهاجرا، أو بينها من يستعد ويهيئ نفسه لهذا السفر الطويل؟ كل الشباب السوداني الآن صار همه يتركز في كيفية الخروج من هذا البلد وكأنه (نار) الله الموقدة، الجميع يسعي ويفتش عن بدائل خارج الوطن، الأوضاع وصلت إلى ما يمكن وصفه بكل ثقة بالأزمة؛ أزمة بلاد مواجهة بحالة نضوب (بشري) يهدد كافة مجالات التنمية ويفرغها من الكوادر المؤهلة القادرة على إحداث توازن “اقتصادي، تنموي، سياسي، أمني”!

ختاماً: هل تتحول (الديار) إلى أطلال يبكيها الشعراء والعشاق؟

استدراك: من المسؤول عن هذا (الطرد) الجماعي؟
[/JUSTIFY]

أساطير صغيرة – صحيفة اليوم التالي