هل تصبح الحكومة القومية بداية الحل في السودان؟
في خضم السجالات التي تطاولت حول الحوار السياسي السوداني وتمططت حتى أصبحت مثل حواديت ألف وليلة، ما يزال عدم الوضوح يشوب جوانب محورية حول من يحاور، وعلى ماذا يكون الحوار، وما هي آلياته، وما هي ضمانات تنفيذ ما يتم التوافق عليه إذا حدث ذلك يوماً ما- وما هو المدى الزمني للحوار، وغير ذلك من التفاصيل الضرورية التي لا غنى عنها لضمان أن يكون الحوار جهداً حقيقياً لتجاوز الخلافات، وليس مجرد مضيعة للوقت.
وفي غضون ذلك تصر الحكومة على عقد انتخابات لا معنى لها ولا مصداقية، خاصة في ظل اعتقاد له ما يبرره بأن النظام يعتزم «طبخ» العملية الانتخابية كما في فعل في عام 2010، وفي كل انتخابات سابقة منذ عام 1996. ويبدو أن النظام نفسه يوافق على هذه الشكوك، وإلا فما الذي يدعوه للحوار مع المعارضة أصلاً إن كان على ثقة بأنه منتخب شرعياً من قبل الشعب كما يزعم؟ فهل سمعنا بالرئيس الفرنسي (أو النيجيري أو الكوري) يتفاوض مع خصومه بعد انتخابه، أم هو يمضي قدماً في تنفيذ برنامجه الذي انتخب على أساسه حتى موعد الانتخابات القادمة؟
الرؤساء المنتخبون ديمقراطياً أيضاً لا يحظرون الأحزاب المعارضة ولا يغلقون الصحف المستقلة، كما أنهم لا يعتقلون زعماء المعارضة بسبب انتقاد سياسات الحكومة، لأن هذه هي مهمة أحزاب المعارضة التي من أجلها وجدت. ولكن هذه مسألة أخرى.
ما يهمنا في هذه المداخلة هو التذكير بأن حاجة الحزب الحاكم لمحاورة أحزاب المعارضة تمثل اعترافاً واضحاً بالفشل وبفقدان الشرعية. فبالنسبة لكتلة سياسية ظلت تحكم البلاد غير منازعة لربع قرن من الزمان، كان ينبغي أن تكون فرغت من تنفيذ كل برامجها التي تميزها عن باقي الأحزاب، ثم تعرض ثمرة هذه البرامج على الشعب قائلة: اقرأوا كتابيا، وهي واثقة من أن الشعب سيكون راضياً عما أنجزت ومطالباً بالمزيد. ولكن من الواضح أن النظام وأنصاره لا يملكون الثقة لا بشرعيتهم ولا بإنجازاتهم، وهم يريدون استجداء الشرعية من المعارضة عبر حوار مزعوم، ولكن بدون دفع الثمن الذي تقتضيه المعارضة، وهو إطلاق الحريات، والتوافق على أسس مشتركة للحكم وقواعد عادلة للانتخاب والتنافس السياسي.
من جهة أخرى، طرح المؤتمر الوطني فكرة تشكيل حكومة «قومية» تسبق الانتخابات إذا نجح الحوار الوطني. وكانت هذه الفكرة طرحت في شباط/فبراير الماضي بعد إعلان مبادرة الرئيس البشير للحوار، ثم أعاد الرئيس طرحها في خطابه المثير للجدل في أيلول/سبتمبر الماضي. وفي الحالين اشترط ذلك بنجاح الحوار الوطني، كما صدرت تصريحات من بعض قادة النظام تفيد التراجع عن الفكرة وتمييعها. ومن جانبها رفضت المعارضة الفكرة، وطرحت بديلاً عنها قيام «سلطة وطنية انتقالية» تكون بديلاً عن النظام، وأن تتولى مراحل تصفيته، وهي من قبيل تمني الأماني، لأنه من قبيل الوهم أن يقبل النظام التصفية الطوعية لصالح معارضة غاية في الضعف، ولكنها تطلق تهديدات بالإبادة والتصفية في حق الخصوم.
وفي ظل هذا التجاذب والتباعد في المواقف، وعدم إحراز تقدم يذكر في مسار الحوار، رغم ما أعلن الأسبوع الماضي من خطوات عملية لعقد الجمعية العمومية للحوار الوطني، والتي تتكون من ممثلي كل الأحزاب المشاركة في الحوار، فإن هناك ضرورة لتقديم رؤى جديدة ومقترحات خلاقة للخروج من هذه الأزمة. وقد مثل توقيع تفاهم أديس أبابا مطلع أيلول/سبتمبر الماضي بين ممثلين للجنة التنسيقية للحوار الوطني من جهة وقيادة الجبهة الثورية وحزب الأمة من جهة أخرى، خطوة مهمة إلى الأمام في هذا الصدد، حيث بدا أنه أجاب عن معضلة ضم حركات التمرد المسلح إلى مسار الحوار.
ولكن خطوة أديس أبابا واجهت عدة مشاكل. فمن جهة لم يكن موقعا الاتفاق نيابة عن النظام وقوى الحوار (د. غازي صلاح الدين وأحمد سعد عمر) مفوضين من اللجنة التي يمثلانها، بل إنهما كانا قد أخفيا عن الحكومة وبقية الأطراف مجرى المفاوضات السرية التي سبقته، ففوجىء الجميع بالوثيقة والتوقيع عليها. وقد استغرق الأمر بعض الوقت قبل أن تعلن الحكومة على مضض قبولها بالوثيقة، وذلك من جهة خشية من خسارة المبعوث الافريقي الرئيس تابو امبيكي الذي أشرف فريقه على توقيع الاتفاق وشهد هو عليه. ومن جهة أخرى، لكون الاتفاق أكد على مبادئ عامة اتفق عليها مسبقاً. ولهذا تجاوز الحزب الحاكم عن الاعتراف الضمني افريقياً بالجبهة الثورية التي يرفض النظام التعامل معها.
إضافة إلى ذلك فإن النظام دأب على استغلال قدرات غازي صلاح الدين التفاوضية، ومقبوليته لدى الخصوم، واستخدامه كرأس رمح لتذليل عقبات التفاوض الكؤود، ثم التخلص منه عندما يحقق النجاح. حدث هذا عندما حقق غازي اختراق مشاكوس في عام 2002، وخطا الخطوة الحاسمة لاتفاق السلام، ثم لم يلبث أن تمت إزاحته لصالح رجل النظام القوي وقتها. وفي عام 2009، تم تكرار نفس المشهد، حيث تم تولية غازي ثلاثة ملفات غاية في الأهمية، هي ملف العلاقات مع الولايات المتحدة، وملف دارفور وملف التفاوض مع الحركة الشعبية، إضافة إلى موقعه كرئيس للكتلة البرلمانية للمؤتمر الوطني. وعليه أصبح غازي وجه المؤتمر الوطني في التعامل مع المجتمع الدولي ومع المعارضة في البرلمان ودارفور والجنوب. وما أن حقق غازي الاختراقات الممكنة في هذه الملفات (عبر اتفاق الدوحة لسلام دارفور عام 2011، والتوافق على استفتاء الجنوب، وعقد انتخابات 2010) حتى تم الاستغناء عنه. وهذه مفارقة غريبة، يستغل فيها العاجز القادر، ويقبل الأخير بهذه القسمة الضيزى.
ويبدو أن الأمر لم يتغير، حيث تم استغلال تفاهم أديس أبابا إلى أقصى حد، ثم تجاوزه. ولم تكن هناك حاجة للاستغناء عن غازي هذه المرة، لأنه أصبح خارج المنظومة الرسمية. وهذا يطرح تساؤل حول قابلية النظام للتعامل مع معارضيه إذا كان حاله مع أنصاره الذين يقدمون له الخدمات الجُلى.
ولكن دعونا ننهي بشيء من التفاؤل القسري، حفزنا إليه حوار مع أحد الإخوة المهمومين بإنقاذ البلاد من محنتها، حين اقترح التمسك بمقترح الحكومة القومية، ولكن من منطلق مختلف. وقد وافقته الرأي بأن تشكيل حكومة قومية ذات مصداقية، خاصة إذا كانت بقيادة رئيس وزراء ذي قدرات عالية ومقبولية واحترام، قد يخلق أفضل إطار للحوار. ذلك أن أحد إشكالات الحوار القائمة اليوم هي عدم الثقة في الحكومة التي تديره. فإذا أصبح الأمر بيد حكومة تحظى بالثقة والاحترام، فإن كثيراً من الخطوات سيتم اختصارها.
عليه قد يكون من المفيد لكل الأطراف، حكومة ومعارضة ووسطاء وقوى فاعلة أخرى، أن تطور رؤية جديدة تجاه فكرة الحكومة القومية باعتبارها إحدى آليات إنجاح الحوار، وإحدى أهدافه الأقرب. وبحسب هذا المقترح، يكون التوافق على حكومة قومية التوجه ـ أي مقبولة من كل الأطراف- وذات صلاحيات واسعة، هو الخطوة الأولى في مرحلة انتقالية. ويكون من صلاحيات هذه الحكومة تأجيل الانتخابات بالتوافق مع الفرقاء، وتحديد آليات الحوار وإطاره الزمني، والشروع في إجراءات بناء الثقة والتنسيق مع الوساطة الافريقية، بحيث يتم اختصار المدى الزمني للحوار وتتعزز الثقة في نجاحه.
فهل نأمل أن نرى تحركاً قريباً في هذا الاتجاه؟
[/JUSTIFY]
د/ عبد الوهاب الأفندي
صحيفة القدس العربي
[email]awahab40@hotmail.com[/email]
يارب المعارضة تبطل البكاء و النخجي و الرفض و الحكومة تبطل التعنطظ و البخل.
يالله ياقادر إجمع من إبتليتنا بهم من سياسيين و قياديين في الجانبين على الإحساس بالمسؤولية و التنازل عن المصالح الحزبية و الشخصية الضيقة لصالح جمع الصف و إصلاح حال البلد و إخراج الشعب من التمزق و الفقر و التشتت و التخلف و الموت الرخيص. و إلا فخذهم جميعآ قبل ان يدمروا ماتبقى من السودان والسودانيين.