تسمم ووعود فاسدة

* انفض مطلع الأسبوع الماضي سامر المؤتمر العام الرابع لحزب المؤتمر الوطني الذي لم يخرج بمفاجآت تذكر، ومساء أمس جمعتني جلسة مع أحد كوادر الحزب الولائية، وسألته عن أهم ما خرج به من جلسات المؤتمر، فقال ضاحكاً : “بوصفي أحد (المتسممين) كان كل تركيزي منصبا في ضرورة فحص الأطعمة في المؤتمرات القادمة وتكثيف الإجراءات الاحترازية والوقائية”!!
* لم يكن محدثي الباشمهندس عوض مهتماً بشيء كتجربته مع (التسمم) وقال إنه بلا مبالغة (شاف الموت بعيونو)، ولأنني ـ للأسف ـ قد تعرضت قبل بضع سنوات لتجربة التسمم عن طريق (شاورما) لا علاقة لها بـ(فراخ المؤتمرات)، فقد أخذ النقاش بينا قواسم ألم مشتركة وبالفعل (أسأل “متسمم” ولا تسأل طبيب) ..!!
* آلام حادة.. صداع شديد.. تقلصات في المعدة و(زردية) تضغط علي الأمعاء لدرجة أنك تعجز عن الحركة دون الاستناد على الجدران حتى تصل الحمام الذي تود لو أنك أقمت فيه حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا.. حبيبات العرق تتناثر من شدة الألم على الجبين ويشعر المرء بعجزه التام عن فعل أي شيء يعيد إليه الحياة ويمنحه الحيوية ويهبه القدرة على الصمود.. يتراءى لك ضعفك ويتضح هزالك أمام عينيك وتبدأ في محاولة نسيان الآلام الحادة بشيء من التأمل ولستفهامات عدة تتقافز أمام عينيك اللتين تكادا تخرجان من محجريهما: “يا للهول.. هل بوسع ساندوتش شاورما عليه (شوية مايونيز) أن يفعل بك كل هذا؟”.. سبحان القادر الشافي الذي منح بعض لقيمات قدرة ضخ الدم في الشرايين اليابسة حتى يتسنى لشخص يكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة من شدة الجوع أن يصلب عوده ويقف على قدميه وتعود له الحياة بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى من مفارقتها.. وذات اللقيمات التي أعادت الحياة لك بإمكانها أن تصل بروحك للحلقوم بعد أن كنت في كامل الصحة تباهي الناس ببنيتك الجسمانية وعضلاتك المفتولة لأن (باكتيريا دقيقة) لا ترى بالعين المجردة تسربت للوجبة التي تناولتها بشهية مفتوحة ..!!
* إذا اجتاحك (التسمم الغذائي) ذات يوم وضرب لك موعداً مع الآلام لم يخلفه قط.. فلا بد أن تدور بذهنك بعض الخواطر المستوحاة من آلام التسمم الحادة تتلخص في النقاط التالية:
* أولاً: اعتدنا في الحقل الإعلامي استعمال مفردات من شاكلة (أجواء مسممة.. تصريحات سامة.. دس السم في الدسم)، ولكننا لا ندري أن (سموم) تلك التعابير فتاكة لكل هذا الحد، فلعمري أن التسمم الغذائي (food infection) أسوأ ما يمكن أن تصف به تصريحاً أو موقفاً أو تعبيراً ناهيك عن السم (سيد الاسم) food poisoning – الذي ينخر في الجسد وسرعان ما يسلم المتسمم الروح لبارئها ..!!
* ثانياً: ما يحدث عندنا في الأوساط الاجتماعية والسياسية والرياضية والفنية هذه الأيام (تسمم غذائي) لا (وباء) بدليل أن (مرض الساحة) توافرت فيه شروط التسمم المتمثلة في ظهور ذات الأعراض المرضية على مجموعة من الأشخاص تناولوا طعاماً واحداً، فنحن للأسف جميعاً ظهرت علينا أعراض الإعياء بعد تناولنا لأطعمة (الوعود الفاسدة) من الساسة ومن شايعهم، وكل الفروقات التي يمكن أن نلاحظها ما بين مريض وآخر أن التلوي بنسب متفاوتة نتيجة التباين في تناول (كمية الوعود) ولكن المحصلة واحدة بالرغم من أن بعضنا أسرف في تعاطي مخدرات الألم ناسياً أنها لن تكون علاجاً ناجعاً ولو طالت فترة التخدير ..!!
* ثالثاً: ما يحدث في المجتمع من تخريب منظم وإفساد للذوق العام لا يمثل (تسمماً) بقدر ما أنه (وباء فتاك) كالطاعون والكوليرا بدليل سقوط كثير من القيم وذوبان العادات، وانشغال الناس بالسياسة يحجب عنهم رؤية تلك المتغيرات ..!!
*رابعاً: لماذا (سمم) المؤتمر الوطني أجواء الحوار مع الأحزاب المعارضة وهو (القابض) على (أحشاء السلطة)، وكان الأحرى به أن يسعى للم الشمل وتقديم تنازلات بعيداً عن (لغة الاستفزاز السامة) التي تخلق مزيدا من الاحتقانات وتنسف كل جهود الحوار والمفاوضات؟!
* خامساً: من (سمم) أفكار (المطربين الشباب) وقال لهم إن (المخدرات) ستصنع منهم مبدعين حقيقيين..؟؟ فالحشيش لم ينفع أحداً على مر التاريخ والغياب عن الوعي لا يمثل (سلطنة ومزاج وطيران في الجو) إنما حالة توهم ومرض، وعلى كل (مدمن) العمل على تدارك نفسه، وإن لم يكن بالمستطاع فعل ذلك فعلى أقل تقدير ينبغي ألا (نسمم) الأجواء بتخاريف من شاكلة (البنقو بزبط الصوت ويمنحه الرخامة)، وعليكم بالانتباه والتحصن بالوعي على أقل تقدير- إن لم تمشوا على دروب الاستقامة ..!!
* سادساً: أكثر ما (يسمم) البدن على (تسممه) أن (تسمم) أعضاء المؤتمر الوطني يمثل ذات الحالة التي يعيشها الوطن، ولا أحد يريد أن يدرك أننا نعيش حالة (تسمم بلد) ..!!
نفس أخير
* شدوا لك ركـب فـوق مهـرك الجمـاح..
ضرغـام الرجـال الفـارس الجحجــاح
الســــم النقـــوع الفـي البـــدن نتــاح ..!!
[/JUSTIFY] [/SIZE]ضد التيار – صحيفة اليوم التالي
