زهير السراج

غداً


[ALIGN=CENTER]غداً..![/ALIGN] * غدًا تقرر محكمة التحكيم الدولية فى مصير (أبيي) ، بعد أن كان هذا الحق بيد أهلها حسب إتفاقية السلام ودستور السودان الانتقالى، فقد كان من المفترض ان يصوت مواطنو (أبيي) فى نهاية الفترة الانتقالية على مصير المنطقة، إما ان تظل تابعة الشمال أو تذهب للجنوب (المادة 183 من الدستور الانتقالى).

* غير أن السياسة والنفط ونزاع المصالح والتدخلات الخارجية التى تسعى لفرض ثقافتها ولا تعرف سوى القوانين والمحاكم لحل الخلافات بدل التفاهم والصلح والاعراف، نقلت هذا الحق الى أيد أجنبية، مهما تدثرت بلباس العدالة، لتقرر فى مصير (أبيي) وهكذا صارت كل مصائرنا بيد غيرنا، دول أو منظمات دولية أو منظمات إغاثة أو محاكم !!

* أكثر من مائة وخمسين عاماً عاشها مواطنو المنطقة فى سلام لم تؤثر عليه الخلافات العارضة أو حتى الاختلافات الثقافية والعرقية العميقة، وكان الارث الاجتماعى هو الحل السحرى لكل المشاكل والخلافات، بدون تدخل من هنا أو هناك !!

* ولكن تأتي رياح التغيير بما لا تشتهي سفن (أبيي)، ويفرض التحضر (المزعوم) ضريبته القاسية فى التفريق بين مواطني المنطقة الواحدة، بل بين الاهل الذين تربط بينهم أكثر من روابط المكان والمواطنة والجيرة، وتتدخل السياسة والمصالح والمال الزائل في فرض واقع جديد على (أبيي) وأهلها، تنتقل فيه (أبيي) وأهلها الى حال جديد، الله وحده الذي يعلم به!!

* هكذا حكم التاريخ – وفى التاريخ الكثير من الامثلة والعبر التي لا ينتبه اليها الانسان ليحمي نفسه من شرور الطمع والمصالح – حكم التاريخ بأن تنتقل(أبيي) إلى واقع جديد، علينا أن نجتهد لقبوله والتعايش معه مهما كان قرار محكمة التحكيم مؤلما للبعض، فقطرة دم واحدة لا تساوي كل نفط الدنيا، ويمكن للإنسان أن يتعايش مع وطن جديد أو سلطة جديدة أو يرحل من أرض الاجداد إلى أرض أخرى تكون لأحفاده في المستقبل أرض أجداد، قد تكون أفضل وأبرك وأكثر خيرا من الوطن القديم، والتاريخ مليء بالامثلة والنماذج !!

* كم هو مؤلم أن يترك الانسان أرض جدوده وآبائه ومرتع صباه وموطن ذكرياته، والمكان الذى اعتاد أن يفتح عليه عينيه مطلع كل صبح ، ولكن هكذا شاء (القدر) بأن يتبدل واقع (أبيي)، وتنتقل في غمضة عين من حالها القديم الى حال جديد، ومن سلطان قديم الى سلطان جديد، ومن وضع الى آخر قد لا نحبه أو نهواه ولكن ربما يكون فيه كل الخير(وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ) صدق الله العظيم !!

* سيتغير واقع أبيي وسلطان أبيي وأرض أبيي ونفط أبيي الذي سينفذ ذات يوم، وربما إنسان أبيي، ولكن يبقى التعايش السلمي هو القيمة الاسمى في هذا الوجود التي يجب أن نسعى إليها ونحافظ عليها (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) صدق الله العظيم.

* قد يظنني البعض رومانسياً أو ساذجاً عندما أقول مثل هذا الكلام واطلب من الجميع تقبل القرار المؤلم الذي ستصدره محكمة التحكيم برضاء خاطر، ولكن ماذا بيدنا أن نفعل، فالخيار الآخر هو الاقتتال وسفك الدماء، فهل هو الخيار الذى نريده؟!

مناظير
drzoheirali@yahoo.com
جريدة السودانى،21يوليو، 2009


تعليق واحد

  1. من يدري ربما كانت ((أبيي)) المفتاح المفقود لبوابة الوصل بين الشمال والجنوب فهل يفتح بابها لداخل الجنوب أم يفتح لخارج الشمال ؟!!

    عداك العيب يا دكتور زهير في هذا المقال … فلست فيه بالساذج وكلامك عين الحقيقة المؤلمة… رغم أنني من خصومك والمناؤين لك لكنني اتفق معك في كل حرف كتبته في هذا المقال … ولا يسعني إلا أن أردد تلك الآية الكريمة التي تعرضت لها (وعسى أن تكرهوا شيء وهو خير لكم) وإن زدت عليها فأقول ما قاله الله سبحانه وتعالى: (وعسى ان تحبوا شيئاً وهو شر لكم) … إنها مشيئة الله وإرادته فالدنيا ليست لهذا الجيل وحده …