جعفر عباس

درس في فن الانقلاب


[JUSTIFY]
درس في فن الانقلاب

يفترض أنني، بحكم أنني صحفي، ملمّ بمجريات الأمور من حولي، ولكنني بصراحة – وأرجو عدم تسريب هذه المعلومة إلى جهة عملي – «شاهد ما فاهمش حاجة»، نعم أشهد ما يجري بانتظام، ولكن الفهم – مثل الزواج – قسمة ونصيب، وعلى سبيل المثال لا أفهم لماذا تتقاتل أطراف تقول إنها تريد تغيير النظام في سوريا مع بعضها البعض، ولا لماذا هناك انقسامات في ليبيا والعراق، وأرجو الأخذ في الاعتبار أن هذه التساؤلات تأتي من شخص يعرف جيدا كيف يتم الاستيلاء على السلطة بقوة السلاح، فعندنا في السودان يحدث ذلك «كتامي» بقدر الإمكان وبأقل كمية ممكنة من النيران، وقد شهد السودان منذ استقلاله ثلاثة انقلابات عسكرية ناجحة تماما، وانقلابا نجح مدة ثلاثة أيام، وست محاولات انقلاب (فاشلة) معلنة، وبالتالي فرغم جهلي بتفاصيل وجدوى ما تشهده ليبيا وسوريا والعراق، وما ستشهده دول عربية أخرى قريبا، فإنني خبير في كيفية الاستيلاء على السلطة من دون مواجهة مقاومة أو مواجهة مقاومة محدودة جدا، وإليكم في ما يلي خطة مجرّبة (ولا شأن لي بالعواقب) للوصول إلى السلطة بقوة السلاح:
أولا «تَمَسْكن حتى تتمكن»، بمعنى أن تتصرف الجماعة العازمة على الاستيلاء على السلطة وكأنها قليلة الحيلة، فيغشى قادتها بيوت الأفراح والعزاء، بل يسافر بعضهم في إجازات ترفيهية تمويهية، ويتم التحشيد والتعبئة في صمت تام وعلى أضيق نطاق ممكن، ولأن السلاح يصلح فقط للاستيلاء على المواقع والأماكن، وليس «القلوب»، ولهذا لا بد من ضمّ عدد محدود من المثقفين في الخطة من دون إبلاغهم بتفاصيلها أو بساعة الصفر، ودور هؤلاء هو صوغ البيانات من 1 إلى 5، لأن العساكر يكتبون البيانات بلغة تسدّ النفس، وبعد البيان الخامس سيكون طابور المثقفين الجاهزين لخدمة الانقلاب الناجح طويلا فيتم إسناد وزارتين أو ثلاث الى مثقفين معروفين لـ«كف العين»، وعند التحرك الفعلي والتنفيذ يتم اعتقال كذا شخص، ثم محاصرة فروع القوات المسلحة غير المشاركة في الانقلاب، واحتلال الإذاعات والتلفزيونات الخاصة (لأنه ما من عاقل وراشد يتابع وسائل الإعلام الرسمية) ثم إذاعة البيان رقم 1، على أن يتضمن عبارة «سنضرب بيد من حديد كل من يعترض طريق الثورة الظافرة»، وتكون خاتمته: «سيسري حظر التجوال من الخامسة مساء حتى التاسعة صباحا»، ولكن من دون الإشارة إلى أن مثل هذا الحظر يقود الى الترابط الأسري والتناسل والتكاثر، كما قال الدكتور حسن الترابي لتبرير إخضاع سكان العاصمة السودانية لحظر التجوال المسائي طوال أربع سنوات بعد تدبيره انقلاب 30 يونيو 1989 «الإسلامي»، ولما انقلب تلاميذه عليه صار ليبراليا وحليفا للحزب الشيوعي، ويجيز تولّي المرأة للرئاسة وإمامتها للصلاة.
ولكن أهم شيء في أي انقلاب هو أن يتم قبل صلاة الصبح، وبداهة فإن الانشغال بتأمين الانقلاب، سيرغم منفذيه على قضاء تلك الصلاة في اليوم التالي أو بعد عدة أيام، وهذه بسيطة، فتفويت الصلاة لا يستوجب الكفارة، في حين أن الاستيلاء على السلطة عنوة وغيلة مع ما يستوجبه من سفك بعض الدم وتجريد الملايين من حرياتهم وحقوقهم جرم لا كفارة تسقط عقوبته، ولكن لكل سلطان فقهاء يقولون له إن كل ذلك «في ميزان حسناتك».
وأدرك أن السيناريو أعلاه لا يصلح اليوم في سوريا أو اليمن أو ليبيا أو العراق، حيث تعكف أطراف كثيرة على إنتاج سايكس – بيكو عربية، ولكنه سيصلح لاحقا في الدويلات التي ستولد بعد المخاض الحالي، وربما يحفظ لي صنّاع الطبعتين الثانية والثالثة من الثورات العربية «حقوق الملكية الفكرية»، رغم سوء ظني بقدراتهم الفكرية.
[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]


تعليق واحد