داليا الياس

قلوب “صغيرة” جريحة

[JUSTIFY]
قلوب “صغيرة” جريحة

# الأمهات قطعاً سيكنَّ أكثر القراء تأثراً بما سأذهب إليه اليوم.. فقلب الأم يكون أشد التصاقاً بصغيرها في عمره الباكر جداً، وهو لا يزال رضيعاً.. ربما بتقدم عمره يصبح أكثر استقلالاً عن حاجته الدائمة لها.. ولكن أن يكون رضيعاً غريراً لا يعلم عن الحياة أكثر من رائحة أمه ولون عينيها، فذلك أدعى لنشعر بعجزه وقلة حيلته. فكيف به وهو إلى جانب ذلك يطل على الدنيا بقلب صغير معطوب أو جريح أو مريض؟!

إذا قدر لك يوماً أن تلتقي السيدة اللطيفة الودودة (سامية محمد عثمان) المدير العام لمؤسسة (سند) الخيرية فاعلم أن (الونسة) معها لن تكون بذات القدر من التقليدية حول أحوال النساء أو ظروف العمل أو شؤون السياسة والاقتصاد بالبلاد.. فهي ستظل دون إرادة منها – تحدثك عن أطفال جراحات القلب المفتوح والقسطرة الذين بلغوا المئات على أعتاب المستشفيات الحكومية المتخصصة، وهم ينتظرون الفرج دون أن تكون هناك بارقة أمل سوى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا.

أولئك الصغار الأبرياء الذين لا يملك بعض ذويهم ثمن تذكرة المركبة العامة التي تقلهم إلى المستشفى، ولا ثمن أتعاب مقابلة الطبيب ناهيك عن تكلفة عملية جراحية ضرورية بهذا القدر من الأهمية والدقة، ورغم ذلك يرابطون بدافع الأمومة والأبوة على أبواب المستشفيات ما بين أحزانهم وإحباطهم والأمل الذي لا ينقطع في رحمة الله القادر على كل شيء.

# وكانت الإحصائية الأخيرة التي أجرتها المؤسسة بإشراف الدكتور الخلوق (الواثق) قد تمكنت من حصر نحو 400 طفل رضيع في حاجة ماسة وعاجلة لجراحات دقيقة في القلب موضوعين على قوائم الانتظار!! ولا أمل إلا بالسفر إلى الهند أو الأردن أو السعودية وبتكاليف يعجز عنها الكثيرون!!

وتمكنت المؤسسة بالتعاون مع البرنامج العالمي لجراحة وقسطرة قلب الأطفال من استضافة فريق عمل طبي متكامل يتكون من نحو 25 طبيباً من منظمة المنتدى الإسلامي قاموا بإجراء نحو 64 عملية جراحية 41 منها لجراحة القلب المفتوح و23 للقسطرة نجحت جميعها والحمد لله وكتب لهؤلاء الأطفال النجاة ما بين دموع ذويهم وامتنانهم والكثير من الحمد والشكر لله.

# أجريت تلك الجراحات بمستشفى القلب بود مدني الذي أجمع الفريق الزائير على أنه الأفضل على مستوى أفريقيا، وقررت إدارة البرنامج اتخاذه مركزاً دائماً لإجراء مثل تلك الجراحات واستقبال عموم حالات القارة الأفريقية بحيث يكون السودان هو الراعي.

تلك الجراحات كلفت نحو 600 ألف دولار أمريكي.. وسيعود الفريق الزائر مجدداً أواخر هذا الشهر لإجراء المجموعة الثانية من العمليات تحت إشراف المؤسسة وضيافة مركز القلب بمدني الذي على رأسه ذلك الطبيب الإنسان الذي انقرض أمثالة منذ زمن ألا وهو البروفيسور (عبدالله محمد الأمين) المدير العام للمركز، الذي لا هم في حياته سوى تطوير بيئة العمل وإنقاذ حياة الناس.

# ليس الغرض مما ذهبنا إليه سرد الوقائع التي مضت.. ولكنا وددنا أن نلفت القلوب قبل العقول لمثل تلك الحالات التي يعاني منها الأطفال وذووهم, ولا أقسى على المرء من طفل رضيع عليل القلب، وهو قليل الحيلة يلازمه الإحساس بالعجز والعوز.

كعادتها.. تلقي (سند) حجراً في بركة.. وتأمل في أن تتعاون كافة قطاعات المجتمع وتتفاعل مع هؤلاء الأطفال المحكوم عليهم بالموت، وهم أحوج من يكونون للإقبال على الحياة ليعيشوا طفولتهم السعيدة ثم تقر بهم أعين والديهم حين يكبرون ليرسموا بنبوغهم ملامح هذا الوطن في لوحة مشرقة ربما تكون أكثر جمالاً مما هي عليه الآن.. فهلا منحناهم قلوباً جديدة بقلوب صادقة؟

# تلويح:

قلوب صغيرة.. عامرة بالنقاء.. قد لا تحتمل العناء.. ولكنه ابتلاء.. يهون بالمساندة.

[/JUSTIFY]

إندياح – صحيفة اليوم التالي