ارتباك الرؤى.. الجزيرة نموذجاً

لم ينته بعد خطاب الرئيس الذي أشار فيه إلى حاجة الحكم الاتحادي إلى عملية مراجعات وإعادة قراءات.. حتى وتدفقت المقالات والتعليقات على الوسائط الإعلامية المختلفة.. بين متعرض لفاتورته الباهظة ومنتقد طريقته في تكريس الجهوية والمناطقية وترسيخ مضامين الإثنية والقبلية.. وحتى الولايات التي تكاد تنعدم فيها نوازع القبلية لم يملك بعضهم إلا أن يصطنع محاور للتنازع على شاكلة جنوب الولاية وشمالها.. إذ لابد من تكتلات ولوبيات لخدمة أجندات وشخصيات بعينها.. بحيث تستخدم القبيلة والجهة في معظم الأحيان كجسر يعبر عليه بعض طلاب السلطة ولا يهمهم بعد ذلك أن يستشري هذا الداء في جسد الولاية ليعيدها القهقري إلى غابر الأزمان !!
غير أن ثمة تركة أخرى لاتقل ثقلا عن فواتير الدستوريين وأعباء القبليين وإرهاق الجهويين لمنظومة الدولة ومواردها.. وأعني تحديدا فاتورة تضارب الاختصاصات وسأضرب لكم مثلا بولاية الجزيرة.. لاحظنا في عمليات غدونا ورواحنا إلى دهاليز مشروع الجزيرة في فترة سابقة.. أن هنالك مجموعة أجسام تتقاطع وتتآزر تتقارب وتتباعد في رؤى إصلاح ونهضة المشروع.. وانتبهوا معي جيدا لتعدد هذه الجهات التي تعمل كلها في هذا الملف وتتلخص في.. أولا قاطرة النهضة الزراعية التي كانت بقيادة السيد النائب الأول.. ثم في لحظة ما اللجنة العليا التي استمدت مشروعيتها من القصر ورئاسة الجمهورية.. ثم اللجنة الزراعية بالمجلس الوطني حيث التشريع الفدرالي.. ثم وزارة الزراعة الاتحادية.. ثم حكومة ولاية الجزيرة ووزارة زراعتها.. ثم إدارة ومجلس إدارة مشروع الجزيرة.. ثم اتحادات المزارعين.. والبنك الزراعي السوداني بصفتة مشاركاً أصيلاً في إنتاج الرؤى والخطط الزراعية و.. و..
يحكى أن أحد الذين يستخدمون التمباك قد سأل عالما فقيها عن حكم معاقرة التمباك أن كان حلالا أو حراما !فقال الفقيه.. لايزال العلماء مختلفين في حكم التمباك.. فقال الرجل المتمبك (والله نتمبك لما يتفقوا) !! والشيء بالشيء يذكر.. ففي إحدى جولاتنا وجدنا تقاطعات في الرؤى ما بين شركاء المشروع.. فللنقابة رؤية وللإدارة رؤية أخرى وللوزارة والنهضة رؤى تتفق وتختلف.. فقلت لهم يومئذٍ ياجماعة الخير (كدا أولا اتفقولنا انتو)!! وكان القوم يحملون ماكينة الصحافة وزر تأجيج نار التباينات وتبني بعض الروايات على حساب بعض الأطروحات الأخرى.. فكيف لا يحدث ذلك وللقضية والمشروع عشرة رواة وخمسون رواية كل واحدة منها تدعي أنه الرواية الأصل وأن رؤيتها هي الرؤية الحق التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها!! وأتصور أن هذه الأجسام الكثيرة هي من صنع الحكم الاتحادي على أن كل هذه المؤسسات والهيئات هي أبناء شرعيين لهذا النظام الاتحادي.. وبطبيعة الحال سيحدث هذا التضارب والتباين والتقاطع بين هذه الأجهزة المتعددة!! فماذا ستفعل وزارة الزراعة في ولاية الجزيرة التي ليست لها زراعة في غير أرض المشروع.. وفي المقابل هل لإدارة مشروع الجزيرة من عمل تقوم به غير العمل لإصلاح المشروع.. ولابد أن يكون المشروع الذي يمثل عماد الاقتصاد الوطني على صدر أجندة وزارة الزراعة الاتحادية و.. و ..
إذن إن الذي هو أكثر كلفة وأكبر إرهاقا على الدولة.. يتمثل في تضارب الاختصاصات وتداخل السقوفات التشريعية والتنفيذية وحتى لو حسمها الدستور وفصلها القانون.. فهي على أرض الواقع مرتبكة ومتناقضة ومتقاطعة لدرجة ارتباك وضع الحصان خلف العربة مما يجعل حركات الإصلاح تراوح مكانها!!
سيدي الدكتور محمد يوسف والي ولاية الجزيرة.. لابد أنك قد وجدت على طاولتك عشرين رؤية لإصلاح المشروع.. غير تلك التي ينفقها يوميا الأكاديميون والزراعيون والسياسيون.. فالرأي عندي أن تقيم ورشة لشركاء المشروع تتوحد وتتبلور فيها رؤية موحدة للإصلاح يتواضع عليها الجميع و.. و..
ولنا عودة بحول الله وقوته
[/SIZE][/JUSTIFY] أبشر الماحي الصائمملاذات آمنه – صحيفة اليوم التالي
[EMAIL]Malazat123@gmail.com[/EMAIL]

