ضياء الدين بلال

اضبط.. (خبر سعيد)!


[JUSTIFY]
اضبط.. (خبر سعيد)!

-1-

قليلة هي الأخبار السعيدة في السودان.

أو ربما أننا في عالم الإعلام لا نزال حبيسي عقدة البحث عن الرجل الذي عضَّ كلباً.
تكاثف الأخبار السيِّئة، يعمِّق حالة الشعور بالإحباط وفقدان الأمل في الغد، والزهد في النظر للمستقبل.
اسمحوا لي أن أحدثكم عن خبر سعيد، قيمته أنكم ستشعرون أن بالإمكان أفضل مما هو كائن الآن، وأنَّ أزماتنا من صنع أيدينا ومن شح أنفسنا.
سأعود إلى الوراء قليلاً…
-2-

قبل ستِّ سنوات أو يزيد، كنت في زيارة إلى الصين. وفي عودتي قررت أن ألبِّي دعوةً كريمةً من صديقي العزيز جعفر عبد القادر بابكر بدولة الإمارات العربية.
قضيتُ حينها أياماً زواهرَ رائعاتٍ في صحبة الأصدقاء المتفرقين هناك، في دبي والشارقة وأبو ظبي وعجمان.
وتمت استضافتي لأكثر من أربعين دقيقة بقناة العربية، لتحليل اتفاق المصالحة بين الرئيسَيْن السوداني عمر البشير والتشادي إدريس ديبي، برعاية الملك عبد الله بمكة المكرمة.
عبْر صديقي جعفر، تلقيتُ دعوة غداء من قبل رجل أعمال شهم وكريم من أبناء الجزيرة، وهو السيد الفاضل عمر محمد توم، صاحب أكبر وأقدم شركة نقل جوي سودانية بالإمارات.
على مائدة الغداء، في منزل الفاضل، وسط أسرته ومجموعة محدودة من المدعوِّين؛ كان الفاضل يتحدث بحماس متدفق عن مشروع (اقتصادي اجتماعي تنموي)، يرتِّب له بقريتهم ود بلال شمال ودمدني.

الفكرة مدهشة وغريبة وغير مسبوقة. ستدركون ذلك بعد قليل، وستعرفون ماذا ترتب عليها.
ظننت وقتها أن الرجل صاحب أحلام عِراض، لا مجال لها للتحقق على أرض الواقع.
-3-
الفاضل ومجموعة من أبناء القرية، قاموا بإنشاء شركة مساهمة عامة، فيها كل أهل القرية، أطفالها ورجالها ونساؤها، داخل وخارج السودان، لم يستثنوا من سكان القرية سوى الدَّواب.
نسبة الفقراء في الشركة، تجاوزت ٤٠٪، دفعت مساهماتهم من التبرعات وصدقات، أما القادرون فساهموا بأقصى ما يستطيعون، فهي شركة للربح وليست للأعمال الخيريَّة.
نشاط الشركة اقتصادي اجتماعي، ومقرُّها بالقرية، ونشاطها تركَّز في عمل قيمة مضافة لما يمتاز به الريف. لذا دخلت في الإنتاج الحيواني والصناعة والخدمات.
-4-
تم تقسيم المواطنين للجان متخصصة، مثلاً اللجنة الهندسية فيها مهندسون من كل التخصصات، حتى عمال البناء في القرية أعضاء في اللجنة.
قامت اللجنة الاقتصادية، ولجنة الثروة الحيوانية، بعمل دراسة عن تسمين العجول، بغرض الصادر وللسوق المحلي.
الفكرة نبعت من تجميع التمويل الأصغر البسيط، والذي أصبح متاحاً، ووضعه في سلة واحدة، وعليه أعطيت للجمعية قرابة الـ ٦ مليارات لشراء العجول والعلف.
كما دخل بنك الخرطوم مع الشركة والتي يمتلكها كل سكان القرية في شراكة متناقصة، تنتهي بتمليك كل الأسهم للشركة وبسماح سنتَيْن.

الشركة تقوم ببناء حظائر الأبقار، وإنشاء مصنع العلف، واستيراد الآليات، وبناء المكاتب.. إلخ.
المبلغ المدفوع شراكة بين البنك وشركة ود بلال حوالي ٦ مليارات.

المشروع يبدأ بشراكة بين البنك والشركة والجمعية،
ممثلة في أفقر ١٠٠ أسرة بالقرية، خاصة الأرامل، والمعوقين، والأكثر حاجة.
ومن الأرباح كل عام يتم إدخال ٢٥ أسرة كشركاء في المشروع، حتى يدخل في الآخر كل مجتمع ود بلال داخل السودان وخارجه، الفقير والغني.
تم تحديد مبلغ 125 ألف دولار، سيكون لدعم الخدمات بالقرية.

الدراسة تمت مراجعتها بخبراء من القرية، في تخصصات مختلفة، ومعهم خبير بيطري أتى به البنك، علاوةً على موظفي البنك في وحدة التمويل الأصغر. والدراسة أخذت ثلاث سنوات.
أعزائي القراء لا تملوا من الأرقام والتفاصيل، فالمفاجأة قادمة.
-4-
في العام الماضي، بدأ كلٌّ من بنك أبو ظبي الإسلامي، وشركة
رويتر/ تومسون العالمية، مجتمعَيْن، الإعلان عن جائزة عالمية عن التمويل الأخلاقي، وتقدم لها أكثر من مائتي مصرف، وشركات، وبيوت تمويل ومنظمات وكنائس.
تمت التصفيات عن طريق خبراء عالميِّين، واختاروا العشرة الأوائل،
وجاءت لجنة أخرى وتمت التصفية لأفضل ثلاثة، وكان مشروع قرية ود بلال أحد أفضل ثلاثة من المتسابقين.
-5-
قبل أيام، تمَّت دعوة جمهور من الخبراء العالميِّين، وتم تقديم العروض الثلاثة الأفضل بواسطة المتحدثين، وطلبوا من الجمهور التصويت،
وكانت النتيجة المذهلة: فوز مشروع قرية ود بلال.
ود بلال تقدم درس للجميع:
كثير من الفرص قيد المتاح.
الأفكار الذكية تفتح منافذ لتجاوز الأزمات.
الأفكار هي رأس المال الحقيقي للنجاح.
المجتمعات المتحدة والمتعاونة أقوى من كل الحكومات.
مبروك للسودان ولسكان ود بلال.
[/JUSTIFY] [EMAIL]diaabilalr@gmail.com[/EMAIL] العين الثالثة – ضياء الدين بلال
صحيفة السوداني


تعليق واحد

  1. والله إنها لفكرة رائعة … ويا ليت يتم تطبيق التجربة على قرى أخرى داخل الجزيرة وخارجها. وفي تقديري فإن جمع كل أهل القرية في مثل هذا المشروع يؤدي إزالة اﻹحساس بالغبن من الطبقة الفقيرة، بل يشعرهم باحساس اﻷغنياء بهم ويشعرهم بكينونتهم الاجتماعية … وفوق هذا وذاك … محاولة انتشالهم من مستنقع الفقر وإزالة الفوارق المادية بين أعضاء المجتمع.