الناس في بلدي
وجوه غلبتها الحياة، وأودعتها قسمات من نفحة الشقاء.. أبدان أصبحت مرتعاً ومخازن للداء.. وقلوب مرتجفة ما بين قدر ورجاء الناس في بلدي.. كادحون طيبون كلهم يعانون.. هي سنة الحياة أن يكون الناس في كبد.. ولكن الأجواء العامة التي يعول عليها أن تكون معنية على الاحتمال صارت في ذاتها عبئاً يضاف إلى أحمال وأثقال ما ترادفه التفاصيل على أكتافهم.. نعم هم أناس ماهلون في أمورهم، لكنك إن امتحنتهم وجدت عندهم ما لا تعرفه في كائن بشري من جلد وصبر وسعة أفق ويد.. عجباً لهم أن جئت لأفقرهم لوجدته غنياً بقناعته، وإن جئت لأغناهم لوجدت أنه يمتد لبعضك ببعض وشائج التذكر.. ما زالت أشياؤنا بخير ما دام إنساننا قادراً على أن يكون ذلك الصابر المتوكل.. حسبه الله.
٭ الاهتمام بالتفاصيل
لنا من العيوب ما قد يكون قليلاً لكنه كبير بحساب التأثير.. رأيت حالة عامة تنتابنا في تداعي الأيام، أننا كثيراً ما نغرق في التفاصيل حتى يصعب علينا الرجوع للدرب الرئيسي.. خذ مثالاً بسيطاً لاحظ التحاور والنقاش في أي ملم تجد الجوهر العام موضوعاً محدداً كبير الأثر.. ما أن يبدأ النقاش حتى تجد أن الدرب «قد فك» وصعب عليك التلاقي معه.. ففي مرة ما كنا نتناقش مع ثلة من أصحاب معرفة بأمر يتعلق بشأن عام.. وفي منتصف الحديث ورد ذكر حالة.. بلا تنبه تركنا الموضوع الكبير وغرقنا في تفاصيل الحالة، حتى ما عدنا نفرق بين ما جئنا من أجله وما جرتنا إليه تفاصيل تلك الحالة.. فيا اخوتي طالما نحن ارتجاليون في تناولنا للأمور، فلن نصل إلى حالة الحلول الجذرية لأي أمر، لأن ذلك ببساطة يعني أننا مغرقون في التفاصيل.. دع عنك ذلك قل مثلاً إن ملماً كبيراً لأمر جلل تجد الكثيرون لا يتشبثون ببلوغ غاية ذلك الملم، ولكنهم يركزون حول «الونسات» والنقاشات الجانبية جداً، أو يدلقون الكلام في «خربشات بائسة» تتعلق بالموضوع إذن لابد من عودة إلى جادة الفكرة والالتزام بها.
٭ حقارة حمرة عين
مما يؤخذ علينا أننا دائماً ما نكون على درجة عالية من الحساسية تجاه أمورنا.. ففي بعض الأعمال والمهن والحرف يكون المنتسبون لها الأكثر تحسساً منها.. فالتحسس عند عامل النظافة السوداني في بلدنا أكبر بكثير من عند العامل الأجنبي.. ودائماً ما يعتقد الأول لو أنه حانت منك التفاتة تجاهه إنك تنظر إليه بحقارة أو انك تزدريه، فالغالب أن الكثير منهم يحمل بداخله عقدة تأبى أن تُحل في هذه الجزئية، لأنه نشأ في مجتمع يمجد الدكتور والمهندس وأصحاب المهن التي كان لها بريق على حساب تجاهل المهن التي تقوم على مقدرات وسيطة، فيكون يكون حاله أن أصبح تحت وطأة ظروفه الملحة ذلك المتحسس الأكبر، مع أن الأمر لا يحتاج لمثل هذه المشاعر السالبة التي تلون الحياة بلون شاحب، غير ذي صبغة الرضاء والتمثل التي تجعل الغلبة للإيجاب على السلب.. فمتى نتحرر من مثل هذه الحالة.
٭ دلق الكلام
حالة الإسهاب التي تجعل الوقوف في مراحل الكلام الكثير والعائد البسيط يمثل مشكلة في حياة الكثيرين مننا، حتى أن مثلاً شعبياً يصف الحالة على أنها «حشاش بدقنو»، حيث تترامى أمامه الحقول والأرض والزراعة ويطلق كلاماً على الرهاب والأحلام، وهو لا يقوم بشيء أو يقولون عليه ذلك الكاذب بعبارة منمقة «ناس القبور واقفين طابور» باعتباره متعدياً لما فيه قدره الماثل إلى غيبية بعيدة يفتيء فيها.. عذراً فقد فات أوان دلق الكلام وأصبح الأوان آون الجد والعمل.
٭ آخر الكلام
مسالب وفوائد هي الحياة جميعها.. ولتبدو للحياة جوانب الجمال، تبقى مظاهر القبح ضمن بعض المقاييس.. ولنعرف بعض الفوائد لابد أن نعي المسالب التي تعرفنا قيمة تلك الفوائد.. قليلاً من الكلام كثيراً من العمل هو الشعار الأبقى.
[/JUSTIFY]
سياج – آخر لحظة
[email]fadwamusa8@hotmail.com[/email]