منصور الصويم

“درويش والغريبة” زاراني في المنام

[JUSTIFY]
“درويش والغريبة” زاراني في المنام

قد يصل شغف القراءة ومطاردة المعرفة بالإنسان للدرجة التي يمكن أن يوقف حياته عليها، حيث تتحول كل ساعاته إلى قراءة ومطالعة، وتصبح كل رحلاته التسويقية صوب المكتبات، وأجمل لحظات تسكعه ستكون حينها وهو يتجول بين باعة الكتب في الطرقات والزوايا (مفروش)، شخص مثل هذا ستتبدل كل سلوكياته وستنطبع حياته إلى الأبد بميسم القارئ الباحث، أو الكاتب القارئ، الناقد، المفكر، الأديب، الشاعر، حتى وإن لم ترَ له نتاجا ظاهرا (مطبوعا)، إلا أنه سيدهشك بأفقه المعرفي وعمق تجربته الإنسانية، وتجاوزه في الرؤية والمنظور التحليلي للأشياء، مثل هؤلاء الناس نادرون بالطبع، ويعرفون بعضهم جيدا، لذا يحتمون بهذه المعرفة من (سخف) المجتمع الذي لا يزال أغلب أفراده يرون القراءة نشاطا عاطلا غير فاعل وشكل من أشكال الترف.. عن واحد من هؤلاء الأنقياء نحكي.

يحكى الصديق المترجم والكاتب (السموأل آدم)، أنه في مرحلة من مراحل شغفه بالقراءة والكتابة المتكون منذ الطفولة وحتى الآن؛ تعلق بأشعار الشاعر الفلسطيني محمود درويش، بشكل عجيب، لدرجة حفظه كل كلمات دواوينه، واقتناء كل كتاب شعري يصدره، ومحاولة جمع أي دورية أو مجلة نشرت له قصيدة أو حوارا أو حتى صورة.. استمر هذا (العشق) لسنوات إلى أن جاء يوم وأصدر الشاعر الكبير ديوانه المعروف (سرير الغريبة)، فانتشرت أشعاره الشفيفة بين المثقفين وتبودل الكتاب نسخا ونسخا بين دائرة الدرويشين، عدا (سام) الذي شاءت أقدار (ما) ألا يحصل على نسخة من الكتاب رغم بحثه الدؤوب عنه في كل مكان ولدى كل الأصدقاء.

يقول سام: “وصلت مرحلة من اليأس والإنهاك النفسي والبدني وأنا أبحث عن الكتاب، وكل من أسأله عنه يحيلني إلى آخر. أحبطت وكدت أجن من فرطي شوقي لقراءة هذا الأشعار الجديدة، ثم ذات يوم وبعد أن أكلني الأرق وعذبني؛ غرقت فجأة في النوم، نوم عميق لم أجربه في السنوات الأخيرة، غبت عن كل شيء، كالميت كنت، وفجأة من داخل الحلم انبثق أمامي درويش، بذات هيئته الأنيقة ونظارته وشعره المبعثر.. والكلمات تنساب من شفتيه في إلقاء جميل وبديع”.

في الحلم، كما يحكي (سام)، جلس محمود درويش على الكرسي، ممسكا بكتاب (سرير الغريبة) بين يديه، وصفحة صفحة، سطرا سطرا، أخذ يقرأ عليه أشعار (الغريبة وسريرها)، إلى أن أكمله ثم مضى.

ختام: في الصباح، أول ما فعله (سام) هو أن قرأ الأشعار غيباً، كما هي ومثلما جاءت بالكتاب.

استدراك: القصة حقيقة، مثلما الشعر حقيقي وإنساني وأبدي.

[/JUSTIFY]

أساطير صغيرة – صحيفة اليوم التالي