محمد محمد خير

الفنادق

[JUSTIFY]
الفنادق

انا الآن بفندق (رديسون بلو) بأديس ابابا. انا هنا ليس للنزهة والسياحة (والزغني) والتمتع بمذاق البن الحبشي والتمعن في ما خلق الله وسوَّى من فواتن كاعبات يبسمن (عن برد خشيت أذيبه من حر أنفاسي فكنت الذائبا) نضر الله قبر ابي الطيب.
انا هنا لمواصلة مشاهدة التقدم اليومي والموسمي لقضية دارفور، حين (وهطت) حقائبي بغرفة الفندق واخرجت من حقيبتي روايتين جديدتين للسعودي عبده خال جوار قاموس منير البعلبكي ورتبت ملابسي البلدية والافرنجية وعرفت اتجاه القبلة بعون مسلم اثيوبي جاء بحقائبي جعلت افكر في عدد الفنادق التي اقمت فيها لاسابيع واشهر ثم عام ونصف بعواصم مختلفة وبوسطاء مختلفين في قارات متباعدة ولغات متباينة تجمع بين الانجليزية ذات (الاكسنت الافريقي) والعربية ذات النكهة الخليجية، وبدات احصي الفنادق فندقا فندقا (ملتون ابوجا، شيراتون ابوجا، ميرديان ابوجا) ثم فندق (شيدا) الذي اقمنا فيه لنحو امتد لسبعة اشهر فندق يقع في خلاء اجرد تمتلكه زوجة الرئيس ابوسانجو التي الزمت الاتحاد الافريقي بتأجير الفندق لدواع امنية، رغم اننا كنا اكثر عرضة للمخاطر الامنية في فندقها، لانه يقع في منطقة عشوائية، وليس بمقدور اي قوة الوصول اليه بعد العشاء، اقمنا هناك لاكثر من نصف عام احتفلنا بزواج منى، ثم شاركناه العزاء في وفاة شقيقه، وتباكينا مع برونك في وفاة والده (عمي برونك) الذي توفي في هولندا عن عمر تخطى المائة عام، وشاركت انا بصفة شخصية في حفل ختان احد ابناء قائد ميداني كبير، اظنه الآن وزيرا ولائيا وشارف نجله بلوغ الحلم.
تتوجت هذه المجاهدة الممتدة بتوقيع (اتفاقية ابوجا) في مايو 2006، وفرحنا كثيرا يوم صرح برونك بأن هذه الاتفاقية مؤيدة دوليا ومحمية اقليميا وقاطعة ونهائية وملزمة ولا تحتاج ( لشولة) تحفظت حركة العدل والمساواة على الاتفاقية، ورفضها عبدالواحد الذي كان الاقرب للتوقيع بيد انه فقد فوجا من قيادات الحركة منهم مجموعة ال(19)والبروفيسور عبدالرحمن موسى الذي وقع على الاتفاقية واستوزر ولكن المنية باغتته.
جرت مياه باندفاع فقد رحل د.مجذوب الخليفة مهندس الاتفاقية الذي الحق لابوجا مجموعة ابوالقاسم امام باتفاق منفصل وجذب ابراهيم يحيى من العدل والمساواة، رحل مجذوب ونفض مني يده من (ابوجا) وعاد التوتر بوتيرة اشد فاحتدمت المعارك، وتطاحنت الحركات مع بعضها وساءت احوال النازحين.
مهد هذا الانفلات لماسر جديد احتضنته الدوحة بين الحكومة وحركة العدل والمساواة التي رفضت مشاركة اي حركة اخرى بجنبها فانسحبت من الدوحة واصبح التفاوض بين الحكومة وحركة التحرير والعدالة التي تضم 18 حركة اخرى، في غضون ذلك اقمنا في (شيراتون الدوحة، وموفمبيك، ورتاج الريان) لكل فندق نكهته ولكل حادث حديث، تبدلت العزاءات لافراح، فقد احتفلنا ( بسماية ) احد قيادات الحركة بالفندق اذ أن زوجته اقامت معه على مدى عام ونصف تكللت هذه الاقامة بالإنجاب فقد كان الاب على مستوى المرحلة باطلاقه اسم (موزة) لمولودته الفندقية تيمنا بالشيخة موزة، كنت مشغولا بالتكيف القانوني الدولي للمولودة اذ كيف تتم اضافة رضيع لوفد التفاوض دون اذن مسبق من الوساطة بالانجاب؟.
كنت ليلة البارحة اتأمل هذه الميلودراما الحقيقية لمسار استغرق 12 عاما من التفاوض والتطاحن والتباغض والتجاذب الدولي والغموض الاقليمي والشخصيات هي ذات الشخصيات واللغة لم تبارح مكانها والعمر يمتد والنازحون في اسوأ الاحوال (والحال ياهو نفس الحال).
سأتوافر من هنا للكتابة عن هذه الجولة ذات الطبيعة المركبة فهي تخص دارفور لكنها ترشح في المنطقتين. هنا الآن جبريل ابراهيم وهنا ايضا مني في غياب عبدالواحد الذي لم يتكرم بالرد على دعوة الوساطة، المسار معقد جدا لكنه قابل للحلول فانتظروني لنأتي معا(بالخبر الاكيد).

[/JUSTIFY]

أقاصى الدنيا – محمد محمد خير
صحيفة السوداني