وكسلا لا ذنب لها
في مساحات عزيزة في الصفحات الأولى بالصحف ذات الكلفة الإعلانية العالية.. وفي الصحافة المرئية أيضاً.. أعلنت اللجنة العليا لاستقبال السيد النائب الأول لرئيس الجمهورية بوﻻية كسلا.. إعلانات باهظة تهيب بالجماهير إلى الخروج عن بكرة أبيها لاستقبال معالي السيد النائب الأول الذي يزور الوﻻية هذه الأيام لأجل افتتاح بعض المنشآت الخدمية وتوزيع بعض الإعانات للفقراء والمساكين.. وﻻ ذنب لوﻻية كسلا، وهي تفعل ما تفعله كل الوﻻيات عند استقدام مسؤول كبير من المركز و..
غير أن هذا قد أصبح أدب سوداني رسخت له منظومة الإنقاذ منذ أعيادها الأولى.. فكان كل ما حل عيد للثورة تبحث الحكومة عن إنجاز مناسب في إحدى الوﻻيات لتقيم على صلبه احتفالاتها.. وأذكر ذات عيد ثورة تلفتت الحكومة يمنة ويسرى فلم تجد إلا بعض إنجازات صنعها المهندس حسن خليفة بورش السكة حديد بعطبرة.. فقررت أن يكون الاحتفال في ذلك العام بوﻻية نهر النيل.. فكادت أن تحدث كارثة على إثر طلب الفريق عبدالرحمن سر الختم والي الوﻻية وقتها بأن يكون الاحتفال بساحة المولد الشهير بوسط مدينة عطبرة.. بينما أصر مدير السكة حديد أن يكون الاحتفال بورش المرمة داخل أسوار الهيئة على أن الاحتفال أتى خصيصا لإنجازات الهيئة وليس الوﻻية.. فاحتدم الجدال بينهما وكل منهما يومئذ قد أتى إلى وظيفته على متن قرار جمهوري.. ذلك لدرجة استعانة المدير بشرطة الهيئة في مواجهة شرطة الوﻻية.. غير أن الأمر قد حسم من المركز لصالح السكة الحديد !!
رأيت أن أقول وبعد ربع قرن من الاحتفالات لماذا لا نفكر في تغيير عقلية أدب الزيارات والاحتفالات.. كأن لا نشترط مسبقا أن تكون زيارة المسؤولين الكبار لأي وﻻية أو مقاطعة أو محلية على حين إنجاز خدمي وحشد جماهيري.. حتى بلغ الأمر بنا أن نقيس نجاح الزيارة بعدد الجماهير المحتشدة لحظة قدوم الضيف الكبير.. ولا يقاس النجاح بمستوى قيمة ونوعية الخدمات المقدمة والمنشآت المفتتحة.. ليصبح الخبر بامتياز هو قدوم السيد النائب الأول للوﻻية وليس اندلاع خدمة أو إضافة مرفق مهم يحتاجه الجمهور.. كما أن العقلية الحكومية في هذه الحالة تذهب لاصطياد هدفين.. الأول ترسيخ مكانة الوالي في المركز والثاني إقامة عمليات استفتاء جماهيري لشعبية الحكومة برمتها.. كما لو أن الحكومة تحتاج كل بعد فترة أن تنزل للوﻻيات لتتحسس شعبيتها!! وثمة قيم تهدر، بحيث أن الزائر الكبير الذي سيستقبل بثقافة (نصف الكوب الممتلئ) لن يكون بإمكانه الوقوف على عثرات نصف الكوب الفارغ.. ولو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لقلت أن الأولى أن تكرس مثل هذه الزيارات للوقوف على مكمن الجرح ومكان القصور.. ولن يكون ذلك كذلك إلا بعد أن تفرغ مثل هذه الزيارات من حشودها.. على أن نترك أمر إدارتها إلى الجهات الفكرية بدلا عن لجان التعبئة التي تقاس الأمور عندها بأدبيات الكم وليس الكيف.. ذلك فضلا عن المنصرفات الباهظة التي نهلكها بين يدي الزيارة.. والتي يمكن أن تشيد مدرسة أو تتممها أو تقيل عثرات عشرات المساكين!!
بإمكانكم أن تنظروا إلى تجارب الدول من حولنا.. كيف تصوب الآلة الإعلامية كاميراتها إلى الهدف محل الزيارة وليس على الحشود الجماهيرية!!
[/JUSTIFY] أبشر الماحي الصائمملاذات آمنه – صحيفة اليوم التالي
[EMAIL]Malazat123@gmail.com[/EMAIL]