هيثم كابو

سماسرة الوطن

سماسرة الوطن
[JUSTIFY]

* لعن الله الضعف البشري، وقاتل الحنين واللوعة والخوف من مصير مجهول، فما أسهل تعاطي مفردات (اللامبالاة) وإعلانك للملأ بأنك غير آبه بما يمكن أن يحدث غداً نتيجة قول يخرج للناس اليوم (علناً)!!

* مقطع من أغنية يعيد للأذهان سيناريو انفصال الجنوب منذ أن كان فكرة يراها الناس أبعد من الوصول إلى سطح القمر، وما دروا أن الجلوس على طاولة مفاوضات لبضعة أيام يقودك إلى فقدان ما ظللت متمسكاً به رغم ضراوة الحرب لعشرات الأعوام ..!!

* إن كان الحديث عن منح النيل الأزرق وجنوب كردفان حكماً ذاتياً أمراً مستفزاً ومؤلماً، فإن مصافحة أذنيك لأغنية (وطن الجدود) صدفة أكثر إيلاماً.. كلمات محمد عوض الكريم القرشي بعد كل هذه السنوات من تاريخ كتابتها تنكأ الجراح، وصوت عثمان الشفيع يدغدغ المشاعر وهو يتبتل في محراب الوطن منشداً :حذاري أن وطنك يضام/ وحذاري أن يصبح حطام/ (فلنتحد) ويجب نعيد/ لوطنا أمجاد الكرام/ هيا يا شباب (ضموا الجنوب)/ القافلة سارت لن تؤوب ..!!

* عذراً عزيزي محمد عوض الكريم القرشي :

نعم القافلة سارت، ولكن للوراء.. تغيرت الخارطة.. تبدل الحال.. اختلت المعايير.. ولم يعد الدعاء لضم جنوب السودان للمشاركة في صد (الباغي الشقي) ذا جدوى، فالحقيقة التي يجب أن تعلمها جيداً أن الجنوب انفصل و(فرز عيشتو) وأصبح دولة قائمة بذاتها حتى ولو كانت (قائمة على الانقسامات والحروب والقتل والتشريد والدمار والعصبية واللا استقرار) ..!!

* عزيزي القرشي: حروفك معبرة ومشاعرك صادقة لا شك في ذلك البتة، ولكن للأسف انتهت مدة صلاحية الدعوة لصد (الباغي الشقي) لأن العدو لم يعد يأتينا من الخارج بل أصبح يخرج إلينا من ضلوعنا.. نقدر وطنيتك ونتفهم استشعارك للخطر وأنت تدعو للذود عن حياض الوطن و(رفرفة العلم الأبي).. القصة يا (ابن القرشي) دخلت نفقاً مظلماً، وباتت الدعوة تنطلق والأصوات تصدح بغية (إعطاء النيل الأزرق وجنوب كردفان) حكماً ذاتياً، فدعك من الجنوب الآن ولننتبه لما تبقى من أجندات ومخاطر وسيناريوهات و(الجفلن خلهن أقرع الواقفات) ..!!

* كنت بالأمس القريب يا عزيزي تعتقد وأنت تكتب (وطن الجدود) أن الامتحان الحقيقي في توحد الصفوف لمحاربة الاستعمار بكافة أشكاله وألوانه، والوقوف في وجه (سيناريوهاته) المتعددة والمتجذرة والمتجددة، ولكنك لم تضع (داخل نصك الوطني باذخ الجمال) أن السحر قد ينقلب على الساحر ويتجاوز (سقوف الخيال والحدود ويدهش أحفاد وطن الجدود) ..!!

* لا زلت أذكر يا عزيزي القرشي حوارا ساخنا أجريته قبل اثني عشر عاماً تقريباً مع الراحل المقيم د. أحمد عبد الحليم سفير السودان بالقاهرة بمكتبه في السفارة السودانية بالقاهرة عقب توقيع (برتوكول ميشاكوس) الذي منح الجنوبيين (حق تقرير المصير)، فالرجل بتجربته الثرة كان يتحدث بنبرات حزن وأسى، محذراً من عواقب تلك الخطوة وتكرارها في أكثر من إقليم عقب تفجر كل أزمة داخلية أو انطلاق شرارة تمرد ما.. لا زالت كلماته ترن في أذني: (الميقات المضروب ليس ببعيد وسيحل علينا زمن قريب نستشعر فيه حجم الخطر والتمزيق.. يستحق برتوكول ميشاكوس أن نصفق له إن جاء خلواً من حق تقرير المصير).. قال (عم أحمد) كما كان يحب أن نناديه متى ما زرناه في القاهرة ذاك الحديث بوعيه السياسي ونضجه الدبلوماسي في وقت كان الناس يركزون فيه بكل حواسهم على إكمال نيفاشا والدخول في مرحلة التفاوض المباشر بين قيادة الحكومة والحركة الشعبية دون أن يرددوا :وطن الجدود نحن الفداء/ من المكائد والعدا/ نتمنى ليك دايماً تسود/ بدمانا نكتب ليك خلود/ هيا يا شباب هيا يا جنود/ هيا حطموا هذي القيود.

* عزيزي ود القرشي: بات (الامتحان) والابتلاء يتمثل في الصبر على ما لا يمكن أن يخطر على بال.. اختلفت (الاختبارات) وتبدلت (الأسئلة) وتغيرت (الخيارات)، وأصبحت الكتابة في المكان المخصص للإجابات محرمة على (أهل الوجعة) لأن (الهامش) قد تمدد، و(المستطيل) اتسعت رقعته، وباتت عبارة (لا تكتب داخل هذا المستطيل) تشمل كافة أجزاء (ورقة الإجابة)، ومطلوب منا (عدم الرد على الأسئلة) وفي نفس الوقت (إحراز الدرجة الكاملة)، ورحم الله زمنا كنا (نمتحن) فيه ونبتلى لأجل بذل الروح رخيصة من أجل الوطن بلا ثمن، والآن دخل الجميع (المزاد)، ومن لم يبع أو يسع للشراء هللوا له بوصفه الوطني الأوحد وهو يخدعهم بألف هتاف وشعار، وبعد طول زمن اكتشفوا أنه (سمسار) ..!

نفس أخير

* وطن الجدود نعم الوطن/ خيراتو كم يتدفقن/ آن الأوان أن نمتحن/ في سبيله لا نطلب ثمن .

[/JUSTIFY]

ضد التيار – صحيفة اليوم التالي