فدوى موسى

منظراتية ذاتية جداً!

[COLOR=blue][ALIGN=CENTER][SIZE=4]منظراتية ذاتية جداً![/SIZE] [/ALIGN] [/COLOR]جلست في برجها العاجي تنظر للغلابة نظرة الآتي من كوكب آخر.. لا يفقه شيئاً عن معاناتهم ولا آلامهم.. يرنو إلى أن يتبوأ فوقهم العلا والمجد دون أن يعتبر حاجاتهم البسيطة وتفاصيل حياتهم السهلة الممتنعة.. هكذا كانت «سهى» الزائرة لبلادها في إجازة قصيرة لغربة طويلة تنظر لتفاصيل يوميات أهلها البسطاء.. ولأنها مقتدرة في النواحي الفكرية كانت تظن الآخرين على نفس درجة وعيها المتقدم الذي أدمن الحياة في بلاد الراحة والتيسير.. نظرتها مجحفة لأبناء أهلها الذين تتناوشهم الصراعات على الموارد الأساسية والمعاناة من أجل أبجديات الحياة الماء، السكن، التعليم، الصحة والعلاج.. ماذا إذاً تبقى لهم ليثروا حياتهم الفكرية.. نظرتها لهم قاصرة جداً على ما يفترض أن يكون حالهم عليه، تستكثر المداومين على جمرة هذه الحياة أن يتدرجوا في تداولهم لإرث الاجتماعيات والأدبيات وأن تتلون أشياءهم وعطاءهم بالألوان إشباعاً للحاجة التي تتبدى من حين لآخر بين هؤلاء الساعين من أجل أن تكون لهم حياة، دع عنك الوصول لقمة البلاغة.. «سهى» تريدهم أن يكونوا فلاسفة وأدباء.. لا غبار على رغبتها ولكن ليس من حقها أن تنتقص من حق الآخرين الذين قدموا ما تحتاجه رغبات هؤلاء البسطاء العظماء إشباعاً ورضى، هم مدى وطيف من الناس من قاعدة أغلبها «أمي» لا تعرف قاعدتهم التنظير ولا النظريات المتخصصة.. نعم «سهى» لها الحق أن تتمنى أن يكونوا بقدر إدراكها ولكنها لم تذق يوماً طعم الحاجة على أبواب لقمة العيش ولا على صعوبة السعي من أجل جرعة دواء يدركها البعض ويتجاوزها البعض إلى المقابر.. لذلك هي بعيدة عنهم والآخرون الذين تراهم «قصار النظر» أقرب إلى قلوب وجدان هؤلاء.. يجدونهم في تفاصيل سجلات ودفاتر اليومية البائس وليحركوا وجدانهم طرباً وهمة واستنهاضاً.. آخر الكلام.. أنت واع وراق «مبروك»، ولكن الآخرين من حقهم أن يتماشوا مع روح ومعطيات حياتهم التي بالنسبة لما تعيشه أنت من حياة «مترفة» تجعلك في موقف غير محايد لوجدانهم وقلبهم مؤقتاً وعلى المدى البعيد إن لم تتجاوب معهم.
سياج – آخر لحظة الاحد 09/08/2009 العدد 1080
fadwamusa8@hotmail.com