الراعي الأمين والراعي المنتحر
أثار انتباهي خبر منشور في الصحف الخليجية أمس الأول، عن انتحار راعي سوداني بإحدى المناطق الصحراوية، وذلك بواسطة حبل شنق به نفسه أعلى شاحنة (دفار). وشيئان في الحقيقة هما اللذان أثارا انتباهي بعد قراءتي للخبر، الأول أن مثل هذه الحوادث “انتحار الرعاة السودانيين”، تكاد تكون من الأخبار العادية والمتكررة بين السودانيين الذي يشتغلون بهذه المهنة في تلك البلاد الصحراوية، ورغم أن الأمر يثير الدهشة (فعلا) ويقترب من الظاهرة، إلا أنه لم يحظ في رأيي بالتوقف عنده ودراسته بشكل مستفيض، فمن المعروف أن الانتحار بحسب الإحصاءات الرسمية من الظواهر المحدودة وسط السودانيين، كما أنه من المحير انتشار هذه الظاهرة وسط فئة عرفت طبيعتها بـ (البساطة) وعدم اللجوء إلى تعقيد الأمور لدرجة إيصالها إلى مستوى الانتحار؛ أعني الرعاة.
الخبر الذي أتحدث عنه نُشر في أغلب الصحف بهذه الطريقة: “باشرت الجهات الأمنية، مساء اليوم السبت، حادثة العثور على جثة راعٍ سوداني الجنسية، معلّقة في شاحنة من طراز (دينا)، بإحدى المناطق الصحراوية، غرب وادي غثاه، شرق عفيف، بالقرب من مقر إقامة كفيله.وهرعت الجهات الأمنية إلى الموقع، ورجحت المعلومات الأولية إنهاء العامل حياته، كما فرضت الجهات الأمنية طوقاً على مكان الحادثة، بانتظار وصول فرقة الأدلة الجنائية من مدينة الرياض لمعرفة سبب الوفاة”. وأوردت الخبر بصياغته الكاملة لكي أدلل على أمرين فقط، الأول أن القضية من هذه النوعية، تصبح محسومة منذ لحظة اكتشافها سواء بالنسبة للإعلام أو الجهات الأمنية؛ فمباشرة تفسر الحادثة في إطار (إنهاء العامل حياته) وستنتهي هكذا في الغالب الأعم، الأمر الثاني هو أنك لن تجد أي محاولة إعلامية، أمنيةـ أي جهة أخرى لتفسير هذه الظاهرة المقلقة، وبالتالي وضع حلول لها؛ فهذا الراعي وسواه لا ينتحرون إلا في هذه المراعي فقط.. لماذا؟
قبل أشهر قليلة، شاعت قصة راع آخر، لكنه لم يكن من زمرة المنتحرين، وتلخصت قصته المعروفة حول اتصافه بالأمانة، وذلك بعد انتشار فيديو اختبره عبره بعض أثرياء بلدان الاغتراب وأظهر هو صمودا جميلا في الأمانة أًصبح مضرب مثل، وفتح له بابا من الثراء والاهتمام الإعلامي والاحتفاء الرسمي والشعبي الذي لم يتوقف حتى الآن؛ لكن لو أخضعنا حال الراعيين (الأمين والمنتحر) لاختبار أيهما أحق بهذا الاهتمام، لرجحت كفة الأخير!
ختام: هل للأمر علاقة بجهاز شؤون المغتربين؟
استدراك: هل من اختصاصات هذا الجهاز متابعة ورصد مثل هذه الظواهر ومناقشتها مع الجهات المعنية هنا وهناك؟!
[/JUSTIFY]أساطير صغيرة – صحيفة اليوم التالي