عبد الجليل سليمان

من نسأل


[JUSTIFY]
من نسأل

من لم يسمع بالشاعرة الكردية الرائعة (به ري شيخ صالح )، فليقرأ هذا الجزء من النص: “أحمل صخرة سيزيف/ تأخذنَكم الدهشة / فالشعر أثقل من صخرة سيزيف”. هذا الاعتراف بقيمة الشعر، وثقله يجعلها تتسائل لاحقاً “من نسأل؟ هل الشعر ينبثق من الأصابع؟”.

ثم بعد: فاستعر أيها القارئ سؤال (به ري شيخ صالح)، وأنت تنظر إلى خبر وزير المالية (بدر الدين محمود) وهو ينتقد المراجع العام وتقريره (الأخير) الذي كشف عن تجاوزات مريعة تشيب لها الولدان. وزير المالية مضى إلى حد أنه كوّن لجنة للرد على تقرير المراجع، ثم استغرق في جهد إصطلاحي وتعريفي لمفهوم (المراجعة)، وقال إنها في الأصل تدقيق في العمليات المُحاسبية بغرض الإصلاح وليس التجريم.

لست وحدي من لم ير في تقرير المراجع العام (تجريماً)، فكل المؤسسات التي وردت تجاوزاتها ضمن التقرير لم تر ذلك أيضاً. الجهة الوحيدة التي أفزعها التقرير وأصابها بالهلع هي (وزارة المالية)، ربما لأن التقرير انتقد أداءها وأبدى ملاحظات مهمة وجوهرية خاصة في ما يتعلق بإغفالها إعداد موازنة للنقد الأجنبي، بحسب ما أوردته الصحف.

أدهى من ذلك كله، أن وزير المالية حين يصرح بأنه يعتزم تشكيل لجنة برئاسته لمساءلة المراجع العام، لا يذكرني فقط بـسؤال الشاعرة (به ري شيخ صالح) حول “من نسأل ؟ هل الشعر ينبثق من الأصابع؟”، وإنما يجعلني أستعيره في سياق آخر على نحو من “من نسأل، عن المال الذي ينسرب من بين الأصابع؟”، إذ أخضع المراجع العام لاستجواب سياسي حول أمر مهني، لم يجرم ويخون فيه أحد، لأن هذه ليست وظيفته في الأصيل.

لذلك، يبدو الأمر خطيراً، فحين تُترك المؤسسات المتجاوزة بحسب تقرير المراجع العام (على كيفها)، ويؤتى بالجهة التي منوط بها مراجعتها إلى التحقيق! إنه أمر لا يحدث إلا هنا. وفيما لو حدث بالفعل، فإنه ينبغي حل وإلغاء ديوان المراجع العام، لانتفاء ضرورة وجوده.

[/JUSTIFY] عبد الجليل سليمان
الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي


تعليق واحد