الجمرة بتحرق الواطيها.. وآخرين
يحكى أن للسودانيين قدرات ملهمة في ابتداع الأمثال والحكم التي تقود إلى تأمل وتفكر في حال هذه الدنيا (أم قدود)، من هذه الحكم الخالدة المثل الجاري على ألسنة الكثيرين (الجمرة بتحرق الواطيها)، وهو مثل وحكمة تحيل إلى أن لا أحد يكتوي بنار همومك ومشاكلك سواك، ويتجاوز في معناه المثل الشائع (ما حك جلدك غير ظفرك)، فالجمرة التي تحرق بما تعنيه من معاني الألم والوجع تجعل إحساس المرء بمشكلته وقضيته أكبر، فلا أحد في هذا العالم يحتمل حرق (النار)، التي هي مأوى الكافرين والفاسدين المجرمين وبئس المصير للمنافقين والظالمين.
قال الراوي: و(الجمرة تحرق الواطيها) يصلح كـ(خطاب) يمكن تطبيقه على واقعنا السوداني المحلي (الخاص جدا) وعلى واقعنا العام (المحيط)، فلو تأملنا الواقع المحلي نجد أن (الجمرة) على مستوى قاعدة الهرم (الأسر) تمدد حريقها وتعدد المكتوون من الذين (يطونها)، فقديما حتى وقت قريب كان إنسان واحد فقط (الأب، الجد، الأم في بعض المرات أو الأخ الأكبر) هو من يكتوي بنيران هذه الجمرة، ويظل يسعى ويسعى حتى يوفر كل سبل الحياة الكريمة لأفراد الأسرة؛ التي قد تكون عائلة ممتدة، لا يحس أغلب أعضائها بمعاناة هذا (العائل واطي الجمرة) لأنهم ببساطة بعيدون عن الاكتواء بنارها.. ورغم ذلك كانت الحياة جميلة، ونار الجمرة توقد ألف مشعل ومشعل وتمضي الحياة!
قال الراوي: جمرة (المحيط) “العربي والأفريقي” كانت ولا تزال ذات أثر جمعي، حيث أن الملايين من الشعوب الحبيبة والصديقة في البلدان العربية والأفريقية، وطأت بأقدامها ومنذ سنوات (نارية) طويلة (جمرة) المعاناة، التي ما فتئت تتوهج في كل عام أكثر، تحرق أكثر وتؤذي أكثر، والشعوب (المتلظية) تتململ إلى أن يظهر عليهم كائن مثل القذافي ويتساءل (من أنتم.. جرذان!)، فيقذفونه بالجمر الملتهب الذي أكتووا به لسنوات إلى أن أحس بطعم الحريق ووطأة الجمر الذي كانوا يطأونه هم.. أو ربما كما في حالة البوعزيزي ينحني فرد ويحمل جمر الحريق من تحت قدميه ليحرق جسده بالكامل ومنه ينتقل الحريق ليشتعل في بلد كامل ويلهب بنيرانه المتقدة رأس الهرم ويقضي عليه كما قضى على (بن علي)!
ختم الراوي؛ قال: (الجمرة بتحرق الواطيها)، زمان والآن، بيد أن حريقها بات يمس الجميع فلا مناص من النار والاحتراق.
استدرك الراوي؛ قال: (شَدَرة كَان هُوزَزَتْ ولاَ وِحيْدو يا هَبُوبَاي يا أبلاي) هذا أيضا من عبقرية الذاكرة السودانية.. حِكَم!
[/JUSTIFY]أساطير صغيرة – صحيفة اليوم التالي