صوت قيد التبخُّر

* لم يقف مد التفاعل مع الفتى القادم لدنيا النجومية عند ذلك الحد، وتمددت مساحات تأثيره البالغة آنذاك حتى تشبه الصبية بمظهره والطريقة التي يقص بها شعره.. وأضحت (الفلفلة) وقتها موضة تزين الرؤوس في الأندية والجامعات .!!
* لا يختلف اثنان على أنه صاحب صوت طروب وطريقة أداء بديعة، كما أنه تفوق على أنداده ومن ظهروا معه في ذات التوقيت أو قبله ببضعة أعوام بالقبول الكبير الذي حظي به من عند الله تعالى و(الكاريزما) الساحرة، ليتردد اسم أحمد الصادق في كل مكان وسط الشباب وتزداد أسهمه في بورصة الغناء الحديث.. ويتحسس أكثر من فنان معروف الكرسي الذي يجلس عليه والخوف يتسرب للدواخل خشية أن يحتل القادم الجديد مقاعد غيره ويتقدم للأمام أكثر وأكثر بعد أن فرض اسمه وأحكم قبضته وأعلن سطوته وحجز لنفسه موقعاً مميزاً في الصف الأول لألمع الفنانين الشباب.!
* وقبل أن يكتمل نمو أحمد الصادق الفني – إذ لم تمض على شهرته سنوات معدودات – بدأ يفقد أراضيه شيئاً فشيئا وتتلاشى مساحات (تأثيره) تدريجياً حتى خامر البعض شعور بأن (وجوده) في الصف الأول لن يستمر طويلاً لتبدأ عشرات التساؤلات في التقافز من خلفية الذهن للاستقرار على الورق.. استفهامات ملحة يأتي في صدر قائمتها: (هل ما حققه الفتى من نجاح لا يعدو سوى أن يكون مجرد ضربة حظ غير مدروسة لم يستوعبها في حينها ولم يعرف كيف يحافظ عليها بتطوير أدواته وقراءة المشهد الفني.؟؟ لماذا انكمشت رقعة تواجده وتقلصت جغرافية تأثيره..؟؟ كيف يمكنه الحفاظ على ما تبقى من اسم وأضواء قبل أن يفكر في استعادة بريق البدايات والقفز لمرحلة تألق جديدة..؟؟ هل انتهت مدة صلاحية أغنياته وفترة إقامته بالساحة الفنية كـ(مطرب ذائع الصيت).. أم أن بإمكانه العودة لدائرة الأضواء وتشكيل إضافة حقيقية في دنيا الغناء، وغيرها عشرات التساؤلات التي تبحث عن إجابات شافية تضمد جراح استفهاماتها. ؟؟
* بعيداً عن تباين الإجابات واختلاف الرؤى في معرض الرد على التساؤلات السابقة، تبقت ثمة حقائق لابد لأحمد الصادق أن يدركها جيداً ويفتح أذنيه لها بوعي كامل إن كان يرغب في إدراك ما يمكن إدراكه حتى لا تشرق عليه شمس الغد وتجده غارقاً في بحور الحسرة ومكتفياً بالبكاء على اللبن المسكوب وعض بنان الندم بعد خروجه مهزوماً (ستة- صفر) من دنيا النغم .!
* أولاً: لم يعد المغني في عصرنا هذا مجرد صوت جميل وحنجرة تسكنها عصافير التطريب والنداوة، فالأمر تعدى الأبجديات القديمة بمراحل عديدة و(القصة أكبر من كدا)، المغني الذي يريد أن يضرب مواقيت متواصلة في عالم النجاح لا يخلفها أبداً يحتاج لعقول راشدة تفكر له، ووعي منه – على أقل تقدير – لأهمية القفز بتجربته وتنويع أغنياته وتطوير أدواته.
* ثانياً: قدم الفن لأحمد الصادق (السبت) فتنكر أحمد للفن مساء يوم السبت وقبل أن تشرق شمس (الأحد) التي كان ينبغي فيه عليها سداد الدين.. والشواهد عديدة على عدم احترام أحمد للاسم الذي منحه له الفن وتعامله باستهتار زائد مع المكانة التي وصل إليها – ولا نريد أن نصدم الناس بذكر الأحداث واسترجاع الشريط وسرد الحوادث- لكن الخلاصة لا تحتاج إلى لبيب يفهمها بالإشارة، إذ أن الطريقة المثلى للتعامل مع الفن ودنيا الشهرة تشابه تماماً تعامل مريض السكري مع ذاك المرض اللعين، فمتى احترمت السكري بادلك الاحترام، لكن إن (تطاولت) عليه بعد الالتزام بالتعليمات والنصائح والانضباط وتناول الأدوية والعقاقير اللازمة رد على (تطاولك) اللعين ذاك بالفتك بجسدك وبتر أطرافك حتى تفقد القدرة على الحركة والإنتاج وتصبح أرضاً خصبة لكل الفيروسات والأمراض .!!
* ثالثاً: محدودية سقف وعي أحمد الصادق لعبت دوراً كبيراً في انخفاض أسهمه وتراجع اسمه .!!
* رابعاً: الغرور الزائف دفع الفتى إلى وضع رجل على رجل وتخيل في لحظة ضعف بشري أنه إمبراطور حقيقي وعلى الجميع أن يسبحوا باسمه ويتغزلوا في إمكانياته ويقبلوا دخول (سيادته) لخشبة المسرح محمولاً على كرسي، وأن يهتفوا له بعد أن بات معصوماً عن النقد، كما أن ابتعاده عن التمارين الصوتية دفع الشرخ للاستيطان بحنجرته وتبخره من الساحة الفنية .
نفس أخير:
* من لا يعرف كيفية الحفاظ على صوته، لن يحافظ على ما تبقى من جمهوره. !!
[/JUSTIFY]
