احلام مستغانمي

سلاماً لقبر أبيها ولقبر أبي . .

[JUSTIFY]كلما غيّب الموت كاتبا عربياً ، استعجلني القراء رثاءه . وعاتبني البعض لأنني لست أول من يفتح له مجلس عزاء .
إعلموا أحبتي ، أنّ الكاتب في كلّ ما يكتب من رثاء في رفاق القلم والألم ، لا يرثي سوى نفسه . لذا يحدث أن يتأخر في الكتابة عن رحيله الشخصي وهو يتابع موكب المغادرين ، خاصة عندما يكونوا شركاءه في الغربة وفي ظلم الوطن .
الموت، يضع ترتيباً جديداً في القرابات ، وآسيا جبار الكاتبة الجزائرية الكبيرة في حجم أمّة ، التي غادرتنا بصمت لا يشبهه إلا صدى حضورها في الأكادميات الأوروبية والمحافل الدولية ، رفعها الغياب إلى أخت حبري ، برغم أن قدرها ككاتبة فرنكوفونية لم يتقاطع بقدري إلاّ في باريس، مرة في الثمانينات عندما كنت أعد أطروحة في السوربون في علم الإجتماع ، درست من ضمنها أعمالها وما أولته من اهتمام لقضايا المرأة الجزائرية ، وكان بحثي تحت إشراف البروفيسور الكبير جاك بيرك ، الذي ، كان أيضا أستاذها في مرحلة ما ، حسب ما علمت من بيان الإيليزيه في نعيه للأديبة .
تعرّفت عليها بعد ذلك عن قرب ، يوم كانت تعمل في المركز الثقافي الجزائري في باريس غير البعيد عن بيتي آنذاك . وكنت شاهدة على قهرها ، وأي جرح حمل وجدانها ، بسبب من يديرون شؤون البلاد و لا يروا للأديب حقوقا على وطنه تضمن له حياة يعيشها بكرامة القلم ، بل فقط ، واجب المباهاة بوطنيته بين الأمم .
آسيا جبار هي سيدة الجزائر الأولى في تاريخ الأدب الجزائري ، على مدى عمرها ، ما من منصب أو مكانة شغلتها إلا وكانت الأولى . فقد حملت همّ الكتابة منذ خمسينات القرن الماضي ، وواجهت الاستعمار الفرنسي بلغته مع جيل من كبار الكتاب الجزائريين .

وعندما يئست قبل ثلاثة عقود من وطنها ، وأولته ظهرها ، تلقفتها كبرى الجامعات في العالم ، وحصدت أعلى جوائز أدبية حصلت عليها كاتبة عربية ، كجائزة السلام في ألمانيا ، وانتخبت سنة 2005 بين أعضاء الأكاديمية الفرنسية لتصبح أول سيدة عربية تنضم إلى “أكاديمية الخالدين ” وعلى هذا الأساس نعاها بيان صدر عن قصر الإليزيه .
آسيا جبار التي تمّ ترشيحها لثلاث مرات لجائزة نوبل للآداب ، نعتها ” الجزائر الرسمية ” على غير عادتها ، كي لا تتأخر عن النعي الفرنسي .
الأديبة التي لم تزر الجزائر منذ عقود ، و قاطعت كل مناسبة رسمية ، تعود اليوم لتدفن حسب وصيتها في قبر أبيها . . فالقبر الذي سيحتضنها هو وطنها الحنون الأخير. .
سلاماً لقبر أبيها ولقبر أبي . .[/JUSTIFY]