صلاح احمد عبد الله

حكاية.. ميزانية مواطن!؟!

* هو مواطن سوداني.. لا علاقة له بالسياسة.. أو الأحزاب.. لا يهمه من يحكم السودان.. وما هي أسباب التخلف المزمن الذي تعانيه البلاد في كل مجال.. يكره الإذاعة والتلفزيون.. كما يكره جداً (هلال مريخ) بعد وصول تجار الإدارة الى سدة الناديين.. يتعوذ بالله إذا ساقته الظروف بشارع المطار.. لم يغادر السودان.. حتى بعد أن اقترب من العقد السادس من عمره..!!
* سنوات طويلة.. بعد أن تخرج من الجامعة ذات الشهرة.. وهو كحمار (الترك) من البيت للشغل.. والقليل من المناسبات الاجتماعية.. كان حريصاً ألا يدفع في أي (كشف) مناسبة.. إلا بعد أن يضمن أن ما دفعه سيعود اليه ذات يوم.. (طقة بطقة).. إذا مرض هو أو زوجته.. أو أياً من أولاده.. كان يحرص على العلاج البلدي.. ( الرخيص).. في مكان العمل كان يحضر معه من المنزل ساندويتش (فول) للفطور.. من متبقي فول الأمس الذي تناولوه في العشاء!!
* يومه منذ الصباح الباكر يبدأ بعد الصلاة مباشرة.. نفقات شاي الصباح.. لبن بودرة (3) جنيه.. باكو شاي (2) جنيه صغير جداً.. عليه قليل من (تفل) ليلة الأمس.. كان حريصاً أن أنبوبة الغاز تكفي شهراً.. من المرتب للمرتب.. صابون بودرة (15) جنيه.. للملابس (والرغوة) لغسيل الأواني.. (20) جنيه لطعام الغداء مع قليل من السلطة والدكوة والشطة الحمراء والخضراء…. و(2) كيس خبز.. واللب الداخلي للرغيف لابد أن يتم استعماله تحت أي ظرف.. والعشاء الدائم (بوش).. يتم تظبيطه حتى الأسبوع الأول من كل شهر.. (فقط)..!!
* ثلاثة أولاد في الجامعات.. ومن حسن حظه أن أعمارهم متقاربة.. مما يجعل استخدام ملابسهم (تبادلية).. وكذلك أحذيتهم.. ولا توجد طريقة (للشرابات) أو أي نوع من أنواع الفطور..!!
* ومن حسن حظه أيضاً أن أولاده (فنانين) جداً في حلاقة شعر الرأس.. والذقن.. هي (تبادلية) أيضاً مع أولاد الحلة.. مما وفر عليه قليلاً من المال.. حوله فوراً الى بند.. احتياطي طوارئ.. في مكان خفي في دولاب ملابسه رباعي الشقوق.. (ودولاب لي دولاب يفرق)؟!!.. أما بالنسبة للجمرة الخبيثة.. (15) جنيه تكفي الشهر.. هل أحد يصدق؟.. التلفزيون يبدأ من بعد صلاة العشاء حتى التاسعة والنصف.. أيام العطلة ساعة فقط إضافية وليلاً.. لا توجد غسالة أو خلاطة.. أو سحان.. أو مكوة كهربائية.. وكل هذه الخدمات.. أصدر قراراً بأن تكون ذاتية وبمجهود إنساني يطول شرحه..!!.. كما أنه لا توجد مراوح سقف.. ومن العصر ينطلق الجميع الى الفناء الواسع للمنزل.. أما الليالي المقمرة فهي المتعة ذاتها.. لأن ضوء القمر رومانسي.. وشاعري.. ومهدئ للأعصاب.. وتوترات السياسة.. ويجعل الإنسان ينظر إلى السماء متأملاً.. مما يزيد من الإيمانيات.. في دولة المشروخ الحضاري..!!
* ثلاث صابونات حمام.. تكفي الأسرة حتى نهاية الشهر.. خاصة مع التركيز على (الرغاوي) والتشطيف.. والسماح بالحمام الأسبوعي كاملاً.. لصلاة الجمعة.. أو لأسباب (فنية) خاصة بالشباب.. بعد أي نوع من أنواع الرياضات العنيفة.. أو أكلة دسمة..!!.. عند صرف المرتب في يومه الأول.. (فقط)..!!
* كان حريصاً عند استعماله لوسائل المواصلات.. أن يركب في المقعد الأخير.. حتى لا يصطدم بالواقع المرير عند مشاهدة أو يلمحه أحد المعارف فيضطر للدفع مكرهاً.. وعلى العكس يكون في قمة السعادة والنشوة إذا دفع له أحد المعارف.. في المشاوير القصيرة كان يفضل المشي الكداري.. في الممشى الغريب.. وشوارع الإنقاذ..
* بهذه الطريقة الاقتصادية.. كان مرتبه المتواضع.. ومعاشه الشهري يكفيه بحمدالله.. كان (مدبراً) جداً لأمور حياته المعيشية.. كنت أعرفه سنين طويلة.. ويحكي لي دائماً ما يدور بخلده.. أو يحتفظ به داخل جوانحه الصامتة..
* لو رشح أمثاله لأي وزارة اقتصادية.. لأصبح السودان قوياً في الاقتصاد.. كما كان قبل ذلك اليوم وذلك الشهر.. وما حدث في تلك السنة.. ولكنني أخاف عليه أن يلتقطه أيٌ من كهنوت السياسة.. وينسى قديمه..!!
* ومن نسي قديمه.. (تاه).. يا أهل شارع المطار..!!