الطاهر ساتي

الحصار .. ثم ماذا ..؟

[ALIGN=CENTER] الحصار .. ثم ماذا ..؟ [/ALIGN] ** اعترف الدكتوركمال عبيد لنواب البرلمان بلسان الحكومة – يوم الخميس الفائت – بضعف الأجهزة التنفيذية في تقديم الخدمات الأساسية للمواطن ، وقال مبررا للضعف و مدافعا عن تلك الأجهزة والقائمين على أمرها : الحصار الاقتصادي المفروض على البلاد هو السبب..ثم ضرب لنا مثلا بمعدات محطة تحلية مياه البحر الأحمر ببورتسودان ، حيث ان استجلابها اقتضى مشوارا طويلا وتكلفة مضاعفة ، وكان يمكن أن تكون أقل من ذلك لولا الحصار الاقتصادي ..أو هكذا تحدث وزير الدولة بالاعلام .. في البدء ، ما يجب أن نحمد الله عليه هو ظاهرة الاعتراف بالضعف والخطأ والتي تفشت في مؤسسات الدولة الاتحادية منذ شهر تقريبا ، ونسأل الله أن يغمر الولاة ورؤساء المحليات بهذه الظاهرة كما غمر بها وزارة التعليم العام وقبلها وزارة التعليم العالي وقبلهما وزارة الصحة وأخيرا وزارة الدولة بالاعلام والتي اعترفت إنابة عن الكل ..الظاهرة طيبة ، فالطموح العام تقزم من أهمية معالجة الخطأ والضعف إلي مجرد الاعتراف بهما ..وأحسب أن أجهزة الدولة علمت ذلك ، وها هي تلبي طموح المواطن بفيض من الاعتراف..وما يستحق الاشادة أن إنجازات مؤسسات الدولة في مجال الاعترافات تتم بكل هدوء وبلا ضجيج أو هتافات تعكر صفو المعترفين ، ولهذا نتوقع أن نحقق الاكتفاء الذاتي من الاعتراف بالخطأ والضعف قريبا ..ربما الاعتراف بهما وحده يكفي علاجا لهما ، خاصة وأن الوطن يمر – منذ الاستقلال – بمنعطف تاريخي خطير.. !!
** ولكن هل الحصار هو السبب الأساسي لهذا الضعف الذي هم به يعترفون ..؟..وإن كان كذلك ، أليس من حق المواطن المتأثر بضعف أجهزته التنفيذية أن يسأل عن أسباب الحصار ، والمسؤول عنها ..؟..هكذا يظل السؤال مشروعا عنده في حال أن يقف الحصار عائقا أساسيا بينه وخدماته الأساسية..وإن كان الحصار سببا جوهريا لضعف ورداءة الخدمات ، فلماذا الكشف عن السبب بعد عقدين من الزمان ظلت خلالهما ذات الأجهزة الضعيفة تملأ الفضاء ضجيجا بأنها قهرت الحصار وكسرت المقاطعة بالاعتماد على الذات ..؟.فأين نتائج هذا الذات في زمن اللاحرب واللاحصار ..؟..ألم تكن هذه هى اللغة الرسمية في زمن الحرب والجفاف والحصار الاقليمي والدولي..؟..فلماذا تغيرت تلك اللغة – فجأة كدة – في زمن النفط والسلام و الانفتاح الاقليمي وبعض الدولي ..؟..ثم الحصار الأمريكي الذي يضعف الولايات والمحليات بحيث تعجز حتى عن تصريف مياه الأمطار ، لماذا لايضعفها عن تحصيل الرسوم والجبايات والأتاوات..؟..أم أن الحصار مفروض بحيث يدفع المواطن – دم قلبه – لأجهزة الدولة مقابل خدمات غير متوفرة أو ضعيفة كما تصفونها ؟..والحال ليس بحاجة إلي وصف ، لأن لسان حال كل خدمة بمثابة « سيد الأدلة » ..!!
** وعلى ذكر محطة مياه بورتسودان التي ضرب بها مثلا للحصار .. نعم ، ربما تم توريدها بتكلفة عالية بسبب الحصار، ولكن ثم ماذا بعد التوريد ..؟.. على السيد وزير الدولة أن يقرأ هذا النص الموثق في تقرير الفريق الهندسي المكلف – من قبل هيئة المياه – باستلام تلك المحطة .. يقول النص «..أغلب الكوابل الموصلة ليست بالمواصفات والنوعية المطلوبة ..رغم المستندات التي قدمتها الشركة الموردة بأن هذه المولدات قد تم تصميمها وجربت وفحصت بواسطة الشركة المصنعة ، إلا عند التشغيل وضحت : المولد الأول به بخرة عند التشغيل ، المولد الثاني به بخرة عند التحميل ، المولد الثالث به بخرة عند التشغيل ، المولد الرابع به تسريب زيت مع بخرة ، المولد الخامس به بخرة وتسريب جاز ، المولد السادس خارج الخدمة بحيث لايوجد به لديتر ولا مروحة ولا مصفى زيت ..كل هذه المولدات ترتفع سخانتها عند التشغيل الى 90 درجة ، وهذا يقلل الكفاءة في فترة الصيف ..وشكرا ..المهندس : س ، خ ، ع / رئيس لجنة استلام محطة التحلية ج ببورتسودان ..» ..هكذا نص تقرير آثاره على مياه المدينة لاتقل عن آثار أي حصار ، دوليا كان أو إقليميا ..!!
** تلك خلاصة التكلفة العالية التي تم بها توريد المحطة التي ضرب بها وزير الدولة بالاعلام مثلا للحصار ..ورغم أنف التقرير لم تحدث أية محاسبة للجهات التي أهدرت تلك التكلفة العالية ، علما بأن وزير الري الذي تتبع له تلك الهيئة العامة يعرف كل شئ عن هذا التقرير وغيره ..لم يحاسبهم ، وكأن الحصار الأمريكي مفروض بحيث يعيث البعض في أجهزة الدولة فسادا وإهمالا في المال العام ..نعم سيدي الوزير ، المواطن محاصر بحيث لايجد خدماته الأساسية ، ولكن ليس بسبب الحصار الأمريكي فقط ، بل حصار المفسدين والعاجزين عن آداء واجبهم صار « أدهى وأمر»..ويجب تفكيك حصار هؤلاء بمعاول المساءلة والمحاسبة .. !!
إليكم – الصحافة الاحد 11/10/2009 العدد 5853
tahersati@hotmail.com

تعليق واحد

  1. المحترم الطاهر ساتي .. تقدير بلا حدود،،

    بارك الله فيك فقد كفيت واوفيت .. يعتقد الكثير من المسئولين ان البحث عن شماعة المبررات مثل الحرب او الحصار او غيره من الممكن ان تكون ردا مقتعا لشعب ذكي حصيف شديد الملاحظة مثل هذا الشعب السوداني العملاق .. لا والله فان الذي ذكرته لهو قناعة كل المغلوبن على امرهم والمحتارين في هذه الفوضي والمعاناة التي لا تنتهي ابدا ّّّ !!! اذا كان هناك حصار يعوق عمل الاجهزة التفيذية بالدولة فلماذا لم يظهر اثر هذا الحصار على مخصصات الوزراء والمسئولين ؟ حتى يقرب الهوة التي بيننا وبينهم ويشاطرونا هذه المعاناة .. غلاء .. وفقر .. وسوء خدمات .. لماذا ؟ وكيف يظهر كل صبح جديد ثري جديد .. يبدع في استفزاز هذا الشعب واحتقاره ؟ لماذا لم يحسم امر الكهرباء بكل السودان بعد وصول العديد من الالات للعديد من الولايات .. لماذ نحمي الفساد والمفسدين والمتقاعسين والفاشلين في الادارة والعمل العام والعمل الفني كذلك ؟؟؟ لماذا ندفع الضرائب والزكاة والاتاوات التي لا حصر لها وجلها خارج اورنيك 15 لجهاز تنفيذي عاجر بهذه الصورة طيلة هذه السنوات .؟ اسئلة كثيرة تختلج وتهتز بها النفوس .. ولا اجابات شافية تحترم ولو لمرة واحدة عقل هذا الانسان السوداني العفيف الشريف الابي ؟ عموما سيدي الوزير يجب ان تعلم اننا اذكى كثيرا مما تتصور .. فشكرا لك ..