فدوى موسى

همس.. شديد

[ALIGN=CENTER] همس.. شديد [/ALIGN] يكثر هنا وهناك.. الكل تجتاحهم موجة الهمس… أصبحوا لا يحبون الجهر بالقول، الأمر الذي ينعي الوضوح.. معظمهم يدمن الهمس حباً لهذا الأخير.. كأنما يزيد الكلام حلاوة وطراوة.. ولا تستغرب إن اقترب أحدهم من أذنك قائلاً «قالوا ليك… وقالوا ليك…» وما أشد الانتباه الذي تمارسه أذنك عندئذ، ويبدو أن للهمس سحر وتأثير في إزكاء النيران.. نيران الفضول .. نيران الفتنة .. زالت الفوارق ما بين الرجال والنساء في التعامل مع هذه الهمس .. يضعون له أسماء ومسميات .. همس مفيد.. وهمس شفيف .. همس النواعم .. وهمس الفرسان الذي كان بالأمس مجلجلاً بالصوت الجهور الفصيح .. إذن العالم يهمس همساً كثير متواصلاً عندما يكثر ضجيج التقنيات .. ويزداد تعالي أصوات الماكينات ينخفض صوت الناس ويرق إلى مرحلة الهمس … فقد أتاحت التقنيات الحديثة لهم المزيد من الوقت الذي كانوا يبذلونه في العمل ليصرفوه في الكلام الذي يدل همسه على مدى سريته .. وكلما كان الكلام سرياً كلما عنى ذلك الإثارة والفتنة.. فإن خصك بعضهم بهمساته واستأمنك قائلاً : لا تحدث به أحداً.. تجد نفسك تزداد تشوقاً لنشر هذا السر الذي ضاق به صدر من قاله لك.. وتدخل أنت في مرحلة الهمس به للآخر والآخر الذي يهمس به للآخر.. ليكون لهذا الهمس مؤسسة تتناوله بكل احتضان ورعاية حانية ليكون همساً واسع الانتشار متمدد المجال.. إذن الهمس أكثر فعالية بشرياً وجغرافياً.. يا له من عالم مجنون يكره الوضوح ويحب كل ما هو سري مشوب بالصوت الخفيف.. وعندما يقل حجم الصوت المنطوق فإن ذلك يعني أن قائله إما خائف أو أنه كاذب.. فلينظر الهامس أيهما بصنف… أما المحبون فيهمسون بالكلام المعسول لأنهم يعرفون أنه يجافي جفاف واقعهم.. لعلهم بذلك الهمس يقللون من سماع الواقعية الحقة التي تجعلهم أبعد ما يكونون عن همسهم المعسول..

آخر الكلام :- كانوا يقولون (كلما ارتقى العالم قلت حاجته للكلام) ولكنه اليوم يدخل الهمس مكان هذا الرقي ويحيله إلى ضجيج صامت.. إذن العالم كله يهمس ضجيجاً صاخباً.

سياج – آخر لحظة الاربعاء 16/12/2009 العدد 1204
fadwamusa8@hotmail.com