تحقيقات وتقارير

الخرطوم.. هل ستكون للمسلمين فقط؟!..

بعد إتفاقية السلام الشامل وصدور الدستور الانتقالي لسنة 2005 نصت المادة «157»، منه على آنشاء مفوضية خاصة لحقوق غير المسلمين وفي المرسوم الجمهوري رقم «24» لسنة 2006 تم تكوين تلك المفوضية التي استمرت في مباشرة مهامها حتى انقضاء مدتها في السابع من يناير الماضي، ومع ان الفترة التي تعمل فيها المفوضية محددة سلفاً وإنتهت بنهاية الاستفتاء، إلا أن نهاية مهامها أثارت تساؤلاً بين المهتمين واعداد مقدرة من الدستوريين وعلماء الدين والقانونيين انصب جل هذا التساؤل حول الكيفية التي يمكن ان تحكم بها ولايات السودان بصفة عامة وولاية الخرطوم بصفة خاصة في ظل التعدد الديني والاثني والعرقي الذي ما زال موجوداً ولم ينته بمجرد انفصال الجنوب عن الشمال.. «الرأي العام» أجرت تحقيقاً في هذا الشأن فإلى تفاصيله..
التعايش الديني
……
أولاً نستعرض أهم البنود والمقترحات الأساسية التي وردت بميثاق التعايش والتعاون الديني في السودان الذي نظمت فعالياته في يوليو من العام 2007 بفندق السلام روتانا، لصلته بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بالكيفية التي يمكن ان تدار بها العاصمة الخرطوم وباقي الولايات ذات الخصوصية الدينية والاثنية والعرقية، خاصة بعد انتهاء أجل مفوضية غير المسلمين في السابع من يناير الماضي، حيث يتناول البند الأول من الميثاق ان الاصل للديانتين الاسلامية والمسيحية يوجب التعاون بين الجانبين على البر والخير لمصلحة شعب السودان العظيم والانسانية جميعها. وثانياً الدعوة للدين والتمسك بمبادئه بالحسنى والرفق، ومن الواجب نبذ الاثارة واجتناب التهييج والعنف وأينواع العصبيات الطائفية والحرص على نشر ثقافة السلام والتسامح والتكامل. وثالثاً ضرورة المحافظة على كرامة الانسان في البلاد باعتباره قيمة عليا في الدين الإسلامي والمسيحي ومن واجب الطرفين الدعوة لصون هذه الكرامة وتشجيع السياسات والقوانين والنظم والجهود التي من شأنها ترقية هذه القيمة العليا وصونها. رابعاً التأكيد على ان العدل الاجتماعي بمظاهره المختلفة يعد من أهم ركائز الوحدة ووسائل تعزيز السلام، لذا يجب العمل جميعاً مسلمين ومسيحيين على ترسيخ مفاهيم العدل الإجتماعي في جميع مناحي الحياة.. خامساً نتعهد أن نعمل جميعاً مسلمين ومسيحيين على ترسيخ الأخلاق الفاضلة وحماية الأسرة ومنع أسباب التفكك الأسري والانحلال الخلقي صوناً لمجتمعنا وحماية له. سادساً نتعهد ان نعمل جميعاً مسلمين ومسيحيين على تنمية بلادنا وتطويرها والقضاء على الفقر والمرض والجهل والمحافظة على سلامة البيئة، والسعي لاشباع الحاجات المادية والمعنوية لسائر المواطنين. سابعاً: نتعهد بأن نتعاون جميعاً على تشجيع التفاهم والتقارب العرقي والقبلي وتعميق التفاهم بين المجموعات الدينية والقبلية المتعددة من أجل وطن واحد مستقر ومزدهر. ثامناً: السعي لمواجهة كل الدعاوى اللا دينية والالحادية التي تحاول إبعاد الانسان عن الله جل وعلا، وتسعى لتقويض القيم الدينية الفاضلة.. وأخيراً الحرص معاً على الاستفادة من تجارب الدول الشقيقة والصديقة في مجال التعايش الديني وتفعيل قنوات الحوار المبني على الفهم والتفاهم والاحترام المتبادل بين المواطنين.
حقوقهم محفوظة
كانت هذه الوثيقة احدى المرتكزات التي يرى الكثيرون انها تشكل ركيزة للتعايش ولنكها تجيب بالضرورة عن كيفيته بعد انتهاء أجل مفوضية غير المسلمين.
وفيما يتعلق يالكيفية التي يمكن ان تحكم بها العاصمة الخرطوم بعد انتهاء أجل مفوضية غير المسلمين يرى المفكر الإسلامى «عبد الجليل النذير الكاروري» ان المفوضية انتهى أجلها بنهاية الاستفتاء ولكن يذهب إلى ان المبدأ الذي قامت عليه لا يسقط ويحدده في التعايش رغم التباين. ويضيف: فالتباين تقل نسبته بانحياز الجنوبيين للجنوب. ويقول: أما الأقباط والجاليات وبعض الجنوبيين في الخرطوم فهؤلاء حقوقهم محفوظة بالدستور والقانون وفقاً لقاعدة «لا إكراه في الدين» واستمراراً لتاريخ السودان في التعايش رغم التباين ويشير إلى أن الاسلام استقر بالتراضي في السودان بعد اتفاقية «البقط». و يضيف: ولم تسقط الدولتان علوة والمقرة المسيحيتيان إلا بعد قرون من الدعوة»، كما أنه خلال هذه الفترة لم يشهد السودان ما يعرف بالحرب الدينية او العدوان على المعابد سواء مساجد أو كنائس وبالتالي لا اعتقد أن استمرار هذا النهج يحتاج لقانون خاص أو مفوضية. وأرى ان تخدم أهداف التعايش بمنظمات طوعية وذلك لأن المنظمات هي المعنية برتق النسيج الإجتماعي.
غياب قرنق
ويمضي الكاروري في إتجاه ان المفوضية نشأت بطلب من جون قرنق ليطمئن على عدم تطبيق الشريعة الاسلامية بالبلاد على غير المسلمين ويقول: نحن في غياب قرنق مطمئنون على ان قوانين الشريعة تطال غير المسلمين إلا من الدماء والأموال والحقوق المشتركة. وفي ذات الصدد قال الكاروري: قرأت لبعض الاقباط انهم مطمئنون لحكم الشريعة بعد المفوضية، ويضيف أرى في الاحوال الشخصية ان يحتكم الاقباط لمحاكم المسلمين لانه لا يوجد قانون وضعي ولا منزل يجب الاحتكام إليه غير الشريعة الإسلامية، ويضيف: فإن آرادوا غير ذلك فلهم بنص الآية «فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئاً وأن حكمت فأحكم بينهم بالقسط» ويذهب كاروري إلى ان عدل الشريعة لا ينحصر داخل الملة فحسب بل يشمل كافة الملل، وأما إلى الخصوصية في الازياء وغيرها لغير المسلمين يقول الكاروري، ان فوضى الازياء جاءت مع نيفاشا، أما الاقباط فنحن نشاهد زي الراهبات المحتشم ويضيف ولا أظن ان التبرج من شيم الدين المسيحي ولكنه فتنة واقعة على المواطنين وابنائهم جراء تأثير الغزو الثقافي الغربي.
لا يحاكم
وعندما سألته عن الخصوصية في شرب الخمر لغير المسلمين والكيفية التي يحاكمون بها في ظل الشريعة الإسلامية؟ قال الكاروري ان شارب الخمر غير المسلم لا يحاكم ولكن إذا عمل بالاتجار بها سوف يحاكم بالشريعة لأنه حين يتاجر يدخل في المجتمع بالفساد وبالتالي سيكون خاضعاً للقوانين الخاضعة لمكافحة الفساد ويضيف: وحتى في فترة المفوضية كان مجهودنا هو تدبير مهن أخرى بدل صناعة الخمور البلدية، مشيراً إلى أن المحاكم كانت تحاكم المواطنين الذين يصنعون الخمور البلدية، وقال: لا غضاضة في احتكام غير المسلمين للشريعة الاسلامية. وختم الكاروري حديثه قائلاً: ان غير المسلمين حقوقهم محفوظة في الدستور ولا حاجة لهم بمفوضية أو قوانين خاصة وأبان الكاروري ان الشريعة لا تشقى بالتعدد.. وقال نعلم ان البعض يريد ان يقيم القيامة الآن مع العلم ان الفصل مؤجل ليوم الدين.
غزال المسالمة
ويختم بالقول: ان القران فيه مسامحة اجتماعية تصل إلى درجة البر والمصاهرة «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم..» ويقول: «من يتغنى لي في المسالمة غزال له ان يتزوج غزالة ولا حرج» وقال «أعني ان ارد ان يتزوج مسلم قبطية لا حرج عليه في ذلك».
أساس المواطنة
ويقول الأب ?يلوثاوث فرج – قديس كنيسة الشهدين بالخرطوم العمارات ان حقوق غير المسلمين ليست في حاجة لمفوضية ويجب ان تستمر في القانون والدستور ويضيف نحن لا نحتاج لمفوضيات بل قوانين غير المسلمين موجودة ومعروفة وواضحة في كل العالم. وقال يجب ان يحكم غير المسلمين على اساس المواطنة لا على أسس دينية أو عرقية أو عقدية، ولكن ثاوث في حديثه عن خصوصية المرأة المسيحية ينادي بضرورة مراعاة خصوصيتها التي قال إنها لا تغطي رأسها إلا داخل الكنيسة أو عندما يموت زوجها، ويمضي قائلاً: وما عدا تلك الحالات يبقى رأسها مكشوفاً ولا يغطى ويضيف: «نحن ملتزمون بالحشمة وليس غطاء الرأس» ولا أكراه في الدين.
المحاكم الإسلامية
وأكد ثاوث ان لا غضاضة في احتكام غير المسلمين إلى المحاكم الإسلامية، ويضيف مع مراعاة محاكم الأحوال الشخصية الموجودة أصلاً مشيراً إلى ان المحاكم السودانية فيما يتعلق بالأحوال الشخصية تعد متقدمة على رصيفاتها في هذا المجال في إتجاهات متعددة من العالم. وقال ثاوث أرى أن تكون الدولة مدنية وليست دينية.
دولة لا مركزية
أما المستشارة القانونية السابقة بديوان النائب العام القبطية تريزا نجيب يس» تتفق مع الآن فيلوثاوت فرج فيما يتعلق بأن غير المسلمين بالعاصمة الخرطوم وغيرها في الولايات ليسوا في حاجة لمفوضية او قوانين خاصة بهم إلاَّ في الأحوال الشخصية. وقالت تريزا ولكن إذا أردنا ان نتحدث عن الكيفية التي تحكم بها العاصمة الخرطوم او وضعية غير المسلمين في الولايات الشمالية يجب ان نعترف ان السودان دولة لا مركزية تتعدد فيها الثقافات والاعراق والأديان واللغات، وتذهب إلى أنه رغم التباين نجد ان السودانيين عاشوا في سلام ووئام مكونين لوحة السودان. وتشير تريزا ان بالسودان «520» قبيلة و«140» لغة وأديان متعددة: هي الاسلام والمسيحية ومعتقدات أخرى كالأديان الافريقية، وعليه لا توجد بالسودان قومية واحدة ولا هوية دينية واحدة بالرغم من ان الغالبية العظمى من السكان يدينون بالاسلام. وعن المفوضية تقول تريزا ان غير المسلمين ليست لديهم معلومات دقيقة عن ادائها مشيرة إلى أن تقارير أداء المفوضية كانت ترفع لرئاسة الجمهورية وحكومة ولاية الخرطوم وفق نص المادة «7» من المرسوم الجمهوري. وترى تريزا ان أداء المفوضية كان محل تقدير غير المسلمين وتذهب إلى أن الدستور حفظ حقوق غير المسلمين في المادة «156» التي نصت على ان تراعى المحاكم عند ممارسة سلطاتها التقديرية في توقيع العقوبات على غير المسلمين، واشارت إلى أن المبدأ الراسخ في الشريعة الاسلامية ان غير المسلمين من السكان لا يخضعون للعقوبات الحدية المفروضة وينبغي ان تطبق عليهم عقوبات تعزيرية. وتقول «تريزا» ان الاسلام أقر مبدأ عاماً في حرية الاعتقاد استناداً على الآية القرآنية «لا إكراه في الدين» وتضيف بل ان الاسلام ذهب أكثر من ذلك في حرية الاعتقاد. وترى تريزا ان العاصمة الخرطوم يجب ان تحكم على أساس المواطنة والتعددية الدينية التي تمكن المسلمين والمسيحيين العيش بسلام ووئام.
إنفصال الجنوب
وتلفت تريزا الانتباه إلى ان إنفصال جنوب السودان يجب ان لا يعني عدم وجود غير المسلمين بالشمال. وتضيف ففي ظل دولة المواطنة لا مكان لمصطلح أقليات لأن هذا التعبير يعد آلية للتمييز وعدم المساواة وتشير إلى أن هذا يتعارض مع الحقوق الدستورية ومبادئ الديمقراطية، فيما تقدم تريزا عدة مقترحات للمرحلة القادمة خاصة بعد انتهاء أجل مفوضية غير المسلمين. وتقول في تلك الاقتراحات يجب الابقاء على المواد الدستورية في الباب العاشر التي تضمن عدم تضرر المواطنين غير المسلمين من تطبيق الشريعة الاسلامية ليس بالعاصمة القومية فقط بل بالولايات الشمالية كافة، وقالت العبرة ليست في وجود النصوص بل كيف تطبق حتى لا تكون حبراً على ورق وتضيف: كذلك لا بد من تطبيق ما جاء بميثاق التعايش والتعاون الديني في السودان وإنزاله حيز التطبيق وتضيف: وكذلك يجب مراعاة استخدام كلمة التسامح الديني واستبدالها بكلمة التعايش وتقول «تريزا» بما ان لغير المسلمين خصوصية في بعض الحقوق وفق شرائعهم لا بد من تمثيلهم في لجان إعداد الدستور الدائم الذي يكفل حقوقهم وليست بمفوضيات أجلها مقيد بفترات محددة».
أرض الواقع
ولكن د. الطيب زين العابدين – أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم يختلف مع ما ذهبت إليه المستشارة القانونية «تريزا» في ان عمل المفوضية كان محل تقدير غير المسلمين. ويقول إن المبدأ الأساسي الذي أنشئت من أجله المفوضية لم يتم تطبيقه على أرض الواقع على الاطلاق، كإنشاء نيابات ومحاكم خاصة لغير المسلمين. ويذهب إلى ان هذا الأمر لم يحدث حتى يومنا هذا وقال الطيب إن المفوضية لم يكن لديها دور مباشر تقوم به وان كل عملها انحصر في الوساطة بين نساء الخمور والمحاكم. ويضيف هذا الأمر ربما بإنفصال الجنوب سيقل كثيراً ، مشيراً إلى أنه يفقد المفوضية لا يتوقع ان تحصل أية مشاكل قانونية لغير المسلمين بالشمال مبيناً أن الاقباط يتميزون بتقاليد وسلوك متحضر. ويضيف لذا هم ليسوا في حاجة لمفوضية لانهم لا يتاجرون بالخمور ولذا لا يحتاجون لبوليس أو محاكم خاصة، وكذلك لا يرتدون زياً فاضحاً حتى في مناسباتهم السعيدة، ويضيف فالاقباط مهذبون جداً. ويرى زين العابدين ان تحكم العاصمة الخرطوم كما كانت في السابق مشيراً إلى أن المفوضية لم تكن لديها علاقة بالمحاكم بل سلطاتها استشارية.

صحيفة الرأي العام

تعليق واحد

  1. [B]مامعنى هذا الكلام الكثيرغير المفهوم، نحن الشعب السودانى الشمالي المسلم الصابر حتى يكتمل إنفصال الجنوب لتطبيق أحكام الشريعة.
    نحن لا نحتاج لشرح من كاروري أو تريزاأو غيره. نحن في إنتظار التطبيق

    نحن الإغلبية الصامتةالذين ندعم هذه الحكومة و ليس حزب المؤتمر الكرتوني .
    نصيحة خالصة لهذه الحكومة ،مجرد التهاون في تطبيق الشريعة ستنضم هذه الأغلبية للمعارضة و ستسقط حكومتكم في ساعات .وما ثورة إبريل عنكم ببعيد.[/B]