جعفر عباس

يا رب اشف حبيبنا

[ALIGN=CENTER]يا رب اشف حبيبنا [/ALIGN] منذ عدة أسابيع والحبيب غازي القصيبي طريح الفراش في مايو كلينيك بالولايات المتحدة، ومنذ ان سمعت بهذا الخبر المؤلم واسمه غازي القصيبي يدور في حلقي ولهاتي ولساني وتتداخل حروفه لتشكل كلمة “غصة”.. الله لو عرفتم مثلي هذا الرجل الجميل النبيل.. مجالسته تذهب الكدر لأن كل كلمة تخرج من فمه تطرب حتى الثكلى .. هذا رجل ولد وفي فمه ملعقة من ذهب، ولكنه قضى معظم سنوات عمره في الكد والتعب، فارسا نظيف اليد واللسان في كل ميدان.. ما من وزير في تاريخ الحكم في السعودية تعرض للنقد الجائز والجائر كما تعرض له القصيبي، ولم يكن ذلك لسوء أدائه، فكل ذي ضمير يشهد له بالاستقامة والشهامة والنبل والتفاني في العمل العام، بل لأن منتقديه كانوا يعرفون أنه لا يلجأ الى صولجان السلطان، بل بما حباه الله من منطق ولسان للرد عليهم.. انتقد القصيبي و”اعمل فيها بطل”، وانت ضامن أنه لن يحرك كتائب الوزارة لإسكاتك.. ولأنه ذو فراسة فقد كان يعرف ان معظم منتقديه يحاولون استدراجه لمعارك تعطيهم حق التباهي بأنه نازلوا “وزيرا ذا خمس نجوم”، ولهذا كان يترفع عن الرد على كثير من الانتقادات، ثم وبكل ذكاء ودهاء يكتب مقالا حول موضوع عام يخفي بداخله حجارة تسد حلوق كل من تطاولوا عليه في غير معترك (ذات مرة ارسل لي مجموعة من الصور لمتظاهرين بريطانيين يرفعون لافتات تشتمه وتصفه بالارهابي.. لا يفعل ذلك إلا من يعرف قدر نفسه).
ولكن أكثر ما ميز غازي عن المسؤولين الكبار في العالم العربي عموما، هو أنه لم يكن يهاب المعارك، بل قد يبادر هو بإشعالها بطرح قناعاته في وضوح وجسارة، والدفاع عنها والنصال تتكسر على النصال! من غير القصيبي يكلف نفسه عناء كتابة رسالة بخط يده لكاتب مبتدئ مثلي في تسعينيات القرن الماضي عندما كنت أتلمس خطاي في مطبوعات لندنية محدودة الانتشار، ليقول لي: أين كنت يا رجل فقد كنت أبحث عنك لسنوات؟ مازلت احتفظ برسائله التي سطرها لي بخطه الأنيق لأنها منحتني الثقة بالنفس.. أن يحظى شخص يجرب الكتابة الساخرة بكلمات الثناء من عملاق يستطيع إضحاك الصخور الجلاميد بكلام عذب ومرتب ومهذب، كان كفيلا بجعل رأسي يتمدد أفقيا ورأسيا، ولكنني ظللت أتذكر دائما أن سر روعة وسحر غازي وحضوره الطاغي هو بساطته وعفويته وتواضعه الجم، وغازي الذي أعرفه طفل مشاغب ومشاكس ولكن مهذب وصاحب عقل “يوزن بلد”.
وأحسب أنني أعرف غازي جيدا.. عرفته قبل ان ألتقيه، لمست روحه الشفيفة وشقاوته وتمرده على القوالب الجامدة في أعماله الشعرية والروائية ومقالاته الصحفية، وعندما التقينا كان كما تخيلته وتوقعته عفويا مرحا وموسوعي المعرفة.. قلقا ينط من موضوع الى آخر برشاقة عصفور رائق المزاج يتخير غصنا معينا لكل نغمة فتأتي شقشقاته متجانسة و”مهرمنة” لا نشاز فيها… يا الله أعده إلينا معافى.. فلكم أثرى حياتنا وأطربنا وانعشنا وفرفشنا على مر العقود بموازاة تخصيص معظم يومه لخدمة وطنه.
لعل سر وسحر غازي يكمنان في أنه نشأ كوزموبوليتانيا ينتمي الى كوكب الأرض ويعشق كل البلدان وكل الناس فقد توزعت حياته ما بين المبرز في المنطقة الشرقية في السعودية والبحرين وبيروت والقاهرة وكليفورنيا ولندن.. ولهذا صار من حيث الانتماء السياسي “إنسانويا عه، يشhumanistس.. يحب الناس على اختلاف أعراقهم ومللهم وألسنتهم ولكن قلبه كان متعلقا على الدوام “طفلة عربية تنعم بالديباج والحلي والحلل”.
يا رب اشفه ويا خادم الحرمين اناشدك إذا عاد إلينا سالما من رحلته العلاجية أن “تعفيه.. نريده ملكية عامة لكل شعوب المنطقة حرا من قيود الوظيفة الرسمية فما زال عقله الضخم الفخم يختزن درر الشعر والنثر.. ويا غازي لا أجد على شفتي كلما تذكرتك سوى “أحبك”.. كن المقاتل الذي عرفته دائما ولا تجعل المرض يهزمك والله معك في معركتك ونحن نصلي وننتظر يوم عودتك منتصرا شامخا.. نفسي أجلس أمامك وأنت “مفنش” من الوزارة لنحتفل سويا في “شقة الحرية”.

أخبار الخليج – زاوية غائمة
jafabbas19@gmail.com

تعليق واحد

  1. فعلاً هو يستحق كل ما قلت ، وأنا أقرأ له منذ زمن طويل فهو بارع جدا شعراً ونثراً ، كما أنه يحب عمله ويحب إتقان ما يوكل إليه ، وكما قلت فهو عالمي الأنتماء …
    اللهم اشفه وعافه وعـده سالماً معافاً من كل سقم يا رب العالمين