تحقيقات وتقارير
رحلة ابتدت باسول…أشواق وأشواك في الطريق
باسولي الذي يبدأ من الخرطوم مسيرة البحث عن رؤية مشتركة لجميع أطراف الصراع تبدو مهمته أشبه بالمستحيلة بعد التداعيات التي أفرزتها مذكرة أوكامبو بتوقيف الرئيس البشير، والتقاطعات الداخلية التي أعقبت هجوم حركة العدل والمساواة على أم درمان، وإعتكاف كبير مساعدي الرئيس مني أركو مناوي بدارفور مرابطاً مع قواته، كلها تجعل من رحلة الرجل القادم بشيء من التفاؤل بأنها لن تكون كما يشتهي لها.
آمال
وتولى باسول مسؤولية الملف الدارفوري خلفاً للثنائي سالم أحمد سالم ويان إلياسون مبعوثي الاتحاد الافريقي والأمم المتحدة إلى دارفور بعد أن فشلت كل جهودهما للخروج بالأزمة في دارفور من نفقها المظلم، وبينما أرجع البعض عدم نجاح المبعوثين في مهمتهما إلى قلة التنسيق الكامل بينهما، ما دفع لتعيين جبريل باسولي لتولى المهمة عسى أن يصيب شيئا مما أخفق فيه سلفاه.تعد مهمته هي الأولي التي يباشر فيها مبعوث سلام مهامه وهو مقيم بالسودان، حيث كان المبعوثان السابقان إليانسون وسالم يمارسان هذه المهام عبر الزيارات للسودان، وكذلك تشير مصادر الاتحاد الأفريقي إلى أن تعيين باسولي ليعمل على أساس دائم معظم الوقت إقتضته الأزمة السياسية والأمنية المتنامية في دارفور، وهي التي دفعت لاختياره لهذه المهمة من واقع مبادراته التي دفع بها لحل القضية كوزير لخارجية بوركينا فاسو، وكذلك لخلفيته الأمنية المتمثلة في عمله كضابط بالجيش ثم وزيراً للأمن.
ويدشن باسول مهمته بعد أن مهد لها بزيارة سابقه، تحفه أشواق بالنجاح الذي عجز عنه كثيرون، وسط أشواك أيضا ليست بالقليلة تنتظره على ذات الطريق، ما يجعل مهمته من الصعوبة بمكان ويضع كذلك قدراته وكارزميته لطي الملف في امتحان سقط قبله فيه الكثيرون، ربما تكون تلك الصعوبات ذاتها التي استصحبها السيد نور الدين المازني في حديثه لـ«الصحافة» بقوله«نحن في البعثة المشتركة سنقدم له كل أشكال الدعم الممكن، ونطالب كل الأطراف المحلية وكذلك الدولية ذات الصلة بالملف بتقديم الدعم له لانجاح مهمته في دارفور». وهي مهمة بناءً على كل المعطيات التي تشهدها الساحة السياسية لن تكون نزهة سياحية بكل الحسابات لانجاحها الذي يتطلب منه الكثير من الجهد، وهو ما ذهب له السفير علي الصادق الناطق الرسمي باسم الخارجية في حديثه لـ«الصحافة» بقوله «ان نجاح باسولي يعتمد بصورة كبيرة على ما يجده من استجابة من حركات دارفور والدول الغربية ذات العلاقة بالملف».
خارطة
والرجل يتأبط ملفاته إلى الخرطوم الكل ينتظره أن يفصح عن خارطة طريقه لحل القضية ذات الأبعاد الشائكة، وهي خارطة يبدو أنها ليست من ضمن مقتنيات حقائبه إلى الخرطوم بحسب المازني الذي قال «لا توجد خارطة محددة للرجل ينطلق منها». فباسولي الذي استهل مهمته بلقاءات مع أطراف الصراع في المسرح السياسي يشير البعض إلى أنه قدم للخرطوم محبطاً بعد أن اصطدم بتعنت قادة الحركات المسلحة في دارفور، ومن جهة أخري فإن الرجل قدم أيضاً إلى الخرطوم التي أصبحت تطلق ليس قليلا من التهديدات للقوات الدولية بدارفور حال إصدار قضاة لاهاي لمذكرة توقيف الرئيس البشير.وقد استبعد السفير علي الصادق أن يكون باسولي المبعوث المشترك قادما للخرطوم بدون خارطة عمل يطرحها على الأطراف، وهو مكلف من الأمين العام للأمم المتحدة والاتحاد الافريقي بهذه المهمة، مشيراً إلى أن الحكومة عند موقفها المبدئي من مهمة باسولي وعلى استعداد دائماً وأبداً للجلوس مع حركات التمرد الدارفورية في أي زمان ومكان بدون شروط مسبقة، وانها على استعداد لبذل كل ما يطلب منها من أجل انجاح العملية السياسية لحل مشكلة دارفور بصورة نهائية.
وبحسب محللين ، فإن المهمة التي تنتظر باسولي ليست بالسهلة على ضوء المستجدات في الساحة السودانية، الأمر الذي يتطلب منه مزيدا من الجهد والتدبر حتى ينجح في مهمته، التي أشار مستشار رئيس الجمهورية عبد الله على مسار في حديثه لـ«الصحافة» على أنها تتطلب خارطة طريق لباسولي تتمثل في أن يبذل جهده واهتمامه لتوحيد أهل دارفور بالداخل والخارج حتي يتفقوا على مدخلات ومخرجات الأزمة، مشيراً إلي أن حل قضية دارفور يبدأ من اتفاق أهل دارفور فيما بينهم، ثم تأتي بعد ذلك مناقشة القضية بينهم والحكومة المركزية، وكذلك يجب أن يولى باسولي قضية اتفاق أهل دارفور والسودان حول كيف يتعاملون مع القضية الخارجية.
وبرغم العقبات التي تعترض طريقه، فهناك مؤشرات إيجابية تدفع باتجاه تسهيل مهمته، فباسولي حط بالخرطوم وهي تشهد حركة دؤوبة لانجاح وتفعيل مبادرة أهل السودان التي أطلقها رئيس الجمهورية والتفت حولها القوى السياسية، وكذلك إبداء معظم أطراف الصراع في دارفور استعدادها لمفاوضات السلام، كلها مؤشرات تذهب باتجاه دعم مهمته في دارفور.
صعوبات
ورحلة المبعوث المشترك باسولي التي بدأها من الخرطوم قبل أن يشد الرحال إلى دارفور، لا تخفي عليه العقبات والمتاريس التي واجهت أسلافه، ففشل الجولات السابقة للمبعوثين يعزيها كثيرا إلى تمترس أطراف الصراع عند مواقفها، فالحكومة لا ترضي بغير اتفاقية أبوجا أرضية للتفاوض، والحركات المسلحة لا تري في أبوجا أي أساس للتفاوض، كما تطالب بعض الحركات مثل تحرير السودان برئاسة عبد الواحد محمد نور بشروط مسبقة تتمثل في التعويضات ونشر القوات الدولية والمحاكمات لكل الذين ارتكبوا جرما بدارفور، كما زاد الموقف تعقيداً أيضاً الاعلان الحكومي عقب هجوم حركة العدل والمساواة لأم درمان في العاشر من مايو الماضي بأنها لن تتفاوض معها، ولكن الموقف الحكومي بدأ أخيراً بعد زيارة رئيس الجمهورية إلي دارفور عقب طلب توقيفه من أوكامبو أكثر مرونة من ذي قبل في الجلوس للتفاوض مع كل الأطراف دون استثناء للوصول لتسوية سلمية للقضية، وهو ما ذهب له السفير الصادق بقوله « الحكومة لم تكن يوما حجر عثرة في سبيل الوصول لحل سياسي ، وأضاف ينبغي البحث عن الأطراف الأخرى التي لم تؤدِ ما يليها من متطلبات السلام» في إشارة للحركات المسلحة.
ويظل ملف توحيد الحركات المسلحة الذي فشلت كل الجهود في طيه أكبر العقبات التي تنتظر باسولي الذي سيجري محادثاته حول استئناف عملية الحوار بين الحكومة والحركات المسلحة، بعد أن ظل عدم توحيد هذه الحركات أو توحيد رؤيتها وموقفها التفاوضي عقبة في طريق كل جولات التفاوض السابقة.
وأضاف عبد الله مسار لتلك الصعوبات التعقيدات الخارجية التي يري أن على باسولي التوقف عند طلب الاتهام ضد رئيس الجمهورية لأنه طلب لا يساعد في حل القضية.
تلك إذاً مهمة بدأت بعرابها الجديد جبريل باسولي، الذي يجد الطريق أمامه محفوفا بغير القليل من التعقيدات والصعوبات وكثير من الأشواك لانجاز مهمته التي ينظر لها الكثيرون بشيء من التفاؤل وكثير من الحذر بأن تقلب له الحكومة التي أبدت تعاونها معه، ظهر المجن، إذا صدرت مذكرة توقيف الرئيس البشير من لاهاي.
الصحافة :خالد البلولة إزيرق [/ALIGN]