تحقيقات وتقارير

في محكمة اغتيال غرانفيل:مناخ التطرف الإسلامي … رسائل لمن ؟!

[ALIGN=JUSTIFY]«التطرف الاسلامى يعود الى العاصمة السودانية» .. كان هذا هو العنوان الذى حرر تحته الصحافي الامريكى ادموند ساندرز تقريره المطول«لوس انجلوس تايمز 13 ابريل 2008 » عن وقائع اغتيال الموظف بهيئة المعونة الاميركية ، مايكل غرانفيل و سائقه السودانى ، عبد الرحمن عباس في الساعات الاولى من صباح الاول من يناير هذا العام ، ورسم ساندرز بالكلمات صورة لمدينة تعج بالمتشددين الاسلاميين مستدعيا مشهد عملية الاغتيال، و كيف ان فتية ملتحين ظلوا يجوبون طرقات الخرطوم ليلا بحثا عن غربيين ليجاهدوا فيهم .
و تستدعى تلك الصورة التى رسمها الصحافي الامريكى وقائع ما جرى امس الاول عند بدء محاكمة الشباب المتهمين باغتيال الموظف الامريكى و سائقه السودانى و حالة الفوضى اثناء تدافع الحضور الى محكمة جنايات الخرطوم شرق و هتاف المتهمين و مناصريهم من المتشددين بسقوط امريكا و تهليلهم و تكبيرهم ، و بصقهم على مراسلة هيئة الاذاعة البريطانية «بى بى سى» و وقوف الشرطة عاجزة عن تنظيم الوضع داخل القاعة و عدم تفتيشها للحضور رغم انها كانت متشددة جدا في ذلك ابان محاكمات عناصر العدل و المساواة قبل اسابيع . و يماثل المشهد ايضا ما كان قد جرى قبل نحو ثلاثة اعوام حينما تدافع متشددون اسلاميون عند بدء محاكمة رئيس تحرير صحيفة «الوفاق» الراحل محمد طه محمد احمد امام محكمة جنايات الخرطوم شمال بتهمة الاساءة للنبى الكريم ،اثر نشره مقالا بصورة خاطئة و اعتذاره عنه لاحقا للكاتب العربى المقريزى تضمن اساءات للنبى محمد صلى الله عليه وسلم. و قد كان المتشددون يحملون لافتات تطالب بالقصاص و يرددون هتافات تشيع جوا من الارهاب و تتهم الراحل بالزندقة و تكفره . و تجدد ذات المشهد في وقائع محاكمة المعلمة البريطانية التى كانت تلاعب اطفال مدرستها بالخرطوم حيث اتهمت بالاساءة للاسلام حينما اطلق تلاميذها اسم محمد على احدى الدمى وقيل ان ذلك كان بايعاز منها ، و كان الاعلام العالمى قد اهتم بتلك الوقائع و قد مثلت للبلدان الغربية ثرمومتر لقياس مقدار اتجاه الحكومة السودانية نحو الاعتدال و نبذ ما كانت تصمه بها من تطرف و رعاية للارهاب ، لكن الحكومة تجادل بأن ذلك كان تعبيرا شعبيا عن مشاعر مواطنين مسلمين استفزوا في عقيدتهم و ان لا دخل لها بذلك .
ما بدا لافتا من عملية محاكمة قتلة الموظف الامريكى و سائقه السودانى ان ممثل الاتهام كشف بوضوح عن انتماء المتهمين لخلية متطرفة تلقت تدريبا بعطبرة وهو الامر الذى اجتهدت الاستنتاجات «الرسمية» الاولى عند وقوع الحادث لاستبعاده تماما ، حيث نحت وزارة الخارجية عبر ناطقها الرسمى منحى مختلفا بدا مستهجنا من كثير من المراقبين حين اكدت «قبل اكتمال التحريات» ان الحادث معزول ولا يحمل اية ابعاد سياسية ، و يبدو ان الوزارة لجهة شواغلها بالاثار المترتبة على الحادث ديبلوماسيا حاولت ان تحرف اتجاهات التحليل عما يمكن ان تتجه اليه تلقائيا من ربط لعملية الاغتيال بمجموعات ارهابية . فيما نقل «المركز السودانى للخدمات الصحفية» في ذات يوم وقوع الحادث و قبل اكتمال التحريات ايضا عن مصدر مسؤول قوله «ان الحادث جنائى ولا توجد شبهة عمل ارهابى منظم خلفه مؤكدا ان السلطات ستواصل تحرياتها لكشف مزيد من التفاصيل» ، بينما كانت وزارة الداخلية وهى الجهة الالصق بالتحريات و الاكثر مهنية في هذا الجانب موضوعية. حيث اكتفي البيان الذى اصدرته في نفس اليوم بسرد وقائع ماجرى في الجريمة باقتضاب و التأكيد ان الجهات المختصة تواصل تحقيقاتها للوصول للجناة . فيما انطلقت رواية شعبية تجتهد في رد دوافع الاغتيال الى اسباب اخلاقية . و قد اوفدت السلطات الامريكية فريقا من المحققين للاشتراك مع السلطات السودانية في التحريات لكشف غموض الحادث الذى بدت محاولات فض مغاليقه عصية في بادئ الامر ، و يبدو ان محاولات نسبة دوافع الاغتيال الى اسباب اخلاقية لم تكن مقنعة للطرف الامريكى ، فقد نشرت محررة صحيفة «اخر لحظة» اخلاص النو في ذلك الوقت تصريحا منسوبا لمصدر ضمن وفد شعبى امريكى كان يزور الخرطوم وقتها مفاده ان دوافع الحادث لا علاقة لها بالارهاب . وهو الامر الذى استدعى احضار اعضاء الوفد الامريكى بأكمله و من ثم طلب المحققون الامريكيون من اخلاص ان تتعرف على الشخص الذى ادلى لها بتلك التصريحات . و بعد ان كرت مسبحة الايام و بدأت تتكشف دوافع الاغتيال و منفذيه المحتملين ، اخذ المسؤولون الحكوميون يؤكدون أن إطلاق النار هو من عمل الأصوليين الإسلاميين، لكنهم يصفون عملية القتل بأنها حادثة معزولة وليست من تدبير خلايا ارهابية منظمة و انما منطلقها الحماسة الزائدة والانغلاق المفاهيمى للدين ، فقد قال علي الصادق الناطق باسم الخارجية السودانية: « هؤلاء هم في الحقيقة مجرد عيال فمن الصعب حتى أن تسميهم مجموعات منظمة» . و رغم ان السلطات الرسمية كانت في اغسطس 2007 قبل وقوع عملية الاغتيال قد ضبطت ما عرف بالخلايا المتطرفة في كل من حى السلمة بالخرطوم و الحتانة بأم درمان و سوبا بالخرطوم و لكنها لم تعتبرها خلايا ارهابية فقد كان معظم المعتقلين من أتباع الجماعات السلفية التى تكاثر عددها في الاونة الاخيرة و بينهم شباب كانوا اعضاء في الحركة الاسلامية الحاكمة و قاتلوا في صفوف المجاهدين بالجنوب ، و يبدو انهم لا يرضون عن توجهات الحكومة اللاحقة او بعض من مسؤوليها ، فقد ذكر وزير الداخلية السابق ، الزبير بشير طه بعد التحريات مع خلية حى السلمة ان الاسلحة و المتفجرات التى ضبطت بحوزة الجماعة تحمل شعار «ضد الوجود الاجنبى في دارفور» ، فقد كانت معركة السماح لدخول قوة حفظ سلام دولية في دارفور قد انتهت في ذلك الوقت بسماح الحكومة لقوة اجنبية كبيرة مشتركة بين الامم المتحدة و الاتحاد الافريقى، و لكنها ذات تكوين افريقى غالب . و كانت واحدة من وسائل الحكومة لتخويف الغربيين من دخول دارفور تلويحها بأن ذلك من شأنه ان يأتى بتنظيم القاعدة لمقاتلة القوات الدولية في الاقليم المضطرب ، و لكنها حال ما اتضح لمسؤوليها خطورة تلك التلميحات على الامن القومى اجمالا و على مساعيها الدؤوبة من اجل رتق علاقاتها مع البلدان الغربية عامة و الولايات المتحدة خاصة و التى بلغت ذروتها في التعاون الاستخبارى بين البلدين من اجل الحرب على الارهاب ، تغير الحال و ذكر وزير الدفاع في لقاء جمعه الى رؤساء تحرير الصحف بنادى الضباط قبل ما يقارب عامين انه «لا وجود للقاعدة في السودان و لكن يوجد فكر شبيه بفكرها»، و كان هذا الحديث صحيحا حيث تكاثر انصار التيار السلفي المتشدد خاصة بين الشباب لدرجة ان مدير الامن و المخابرات الفريق صلاح عبد الله ، كان قد كشف لصحيفة «الاحداث 29 اكتوبر 2007 » «عن نشاط ينهض به جهاز المخابرات داخل المعتقلات بالتعاون مع الأئمة والدعاة وسط المجموعات التكفيرية بما أسهم في تغيير مفاهيم العديد منهم» . وهو ذات الاتجاه الذى كان كشف عنه مساعد المدير العام لشرطة ولاية الخرطوم وقتها ، الفريق محمد نجيب الطيب حينما صرح للصحافيين في ذلك الوقت ردا على سؤال حول ما توصلت اليه التحريات في قضية شباب الخلايا الجهادية ، انهم رأوا الا يكون التعامل مع هؤلاء الشباب وفقا للتعامل القانونى المعتاد» .
اغتيال غرانفيل كان بعد ساعات من تحويل الاف من الجنود الافارقة بدارفور لقبعاتهم الخضراء و اعتمارهم القبعات الاممية الزرقاء، الامر الذى مثل رسالة الى البلدان الغربية التى كانت ولا زالت تزمع ادخال مكون غربى ضمن القوات في الاقليم المضطرب بأن مهمتهم لن تكون نزهة في افريقيا . و الان تبدأ وقائع محاكمة المتهمين باغتياله في ملابسات مذكرة المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية التى يطلب توجيه الاتهام فيها للرئيس البشير ، فأى رسالة اراد المتطرفون و من خلفهم ارسالها الى العالم بذلك المناخ الذى اشاعوه داخل المحكمة ؟ !! .
ala-4506@hotmail.com
المحرر السياسي :الصحافة [/ALIGN]

تعليق واحد

  1. يا عالم نحن مسلمون صوفيون وليست متطرفين . ان عودة التطرف التي ذكرتموها مربوطة بداية بقكرة العمل الميداني المستوردة من الجوار برعاية وطنية تحت مسمى الاسلام – دون تحديد- والمسلمين . وهذه الحالات الفردية مالم تعالج ستكون البنية التي لا تنزع بعد نموها في مجتمعاتنا الخصبة …… ؟؟؟ دعونا بروح الاسلام والوطنية ان نعمل على تصدير هذه العادات السيئة الى منبعها . نحن شعب مسالم لا نميل للعمل الميداني الا في ساحات الجهاد الحقيقي . واللة الموفق .