تحقيقات وتقارير

جمدت نشاطها بدارفور :الحركة…الضغط بكرت الإنسحاب

[ALIGN=JUSTIFY]قبل أن يجف المداد الذي سكب حول أحداث معسكر «كلمة» الأسبوع الماضي، فإذا بالحركة الشعبية تعلن إنسحاب وزرائها من حكومات دارفور الثلاث، والذي شمل ثلاثة وزراء و«15» دستورياً إحتجاجاً على أحداث معسكر «كلمة» وغياب خارطة طريق حل أزمة دارفور التي تطاول أمدها.
خطوة الإنسحاب من حكومات دارفور إن بدأ توقيتها مفاجئاً، إلا أنها لم تكن كذلك للذين يخبرون حالة الشراكة السياسية القائمة بموجب نيفاشا، التي غالباً ما تتجمل في وجه ناظريها في وسائل الإعلام، وتخفي بطونها الكثير من الخلافات والتباينات حول العديد من القضايا، لم تكن دارفور بعيدة عنها.
وجاء تجميد عمل وزراء الحركة الشعبية بدارفور بقرار من الحركة بالإقليم، وليس عبر مكتبها السياسي المعني بإتخاذ هذه الخطوات كما حدث في تجميد عمل وزرائها في الحكومة الإتحادية، حيث اشار الأستاذ محي الدين إسماعيل رئيس الكتلة النيابية للحركة بجنوب دارفور لـ»الصحافة» أن قرار الإنسحاب تم بالتنسيق مع قيادة الحركة، وأنه نتج عن الإتصالات التي جرت بين أعضاء الحركة في دارفور، بغرض جرد حساب لمشاركة الحركة في ولايات دارفور خاصة في قضايا الأمن والنازحين والصراعات القبلية، وقال إن الإنسحاب إمتداد لخطوة الحركة في المركز التي أثمرت المصفوفة، واضاف إذا كان أعضاء المؤتمر الوطني تقدموا بإستقالاتهم جراء أحداث «كلمة» فنحن أولى منهم بذلك».
وسبق أن جمدت الحركة الشعبية عمل وزرائها في الحكومة منتصف أكتوبر 2007م قبل هذا الإنسحاب، الذي يبدو انه أصبح ثقافة تنظيمية مقابلة لثقافة «الإعتكاف» التي درج عليها المسئوولون في الدولة عند حدوث خلافات في العمل التنفيذي. وإن كانت الحركة الشعبية قد ظفرت بالمصفوفة من تجميدها السابق لعمل وزرائها، فإن المعطيات الآن قد تختلف في دارفور حول الجدوى من ذلك الإنسحاب والى ما يفضي إليه، وما الذي ستجنيه الحركة من ورائه، حيث ذهب محي الدين إسماعيل الى أن الجدوى الأساسية من الإنسحاب إيجاد خارطة طريق لحل أزمة دارفور، حيث ان حكومات دارفور غير مجدية بحسب رأيه، وأضاف «قصدنا ان تتجه الحركة الشعبية لشريكها المؤتمر الوطني لحل الأزمة، مشيراً الى أنهم لم يحددوا سقفاً لعودتهم للحكومة لأنها مرهونة بإيجاد خارطة طريق».
ويرى مراقبون أن الإنسحاب في إطار وضعية الشراكة القائمة لن يجدي شيئاً، فالإنسحاب الماضي لوزراء الحركة من الحكومة المركزية لم تجنِ منه الحركة شيئاً، بل يصب في خانة الشريك الآخر الذي سينفرد بإدارة الشئوون الديوانية. وحول جدوى الإنسحاب من حكومات دارفور ذهب القيادي بالحركة الشعبية وليد حامد في حديثه لـ»الصحافة» أن هذه الإنسحابات لا يمكن أن ننظر لها بإعتبارها وسيلة إبتزاز سياسي، ولكنها وسيلة مهمة للتعبير عن الرأى، وما جرى بدارفور رسالة إحتجاجية قوية، لم تنحصر في الحركة بل بدأت بعناصر المؤتمر الوطني ولن تتوقف عند الحركة، بغرض لفت نظر المؤتمر الوطني لأنه لم يكن هناك موقف واضح تقوم به حكومة الوحدة الوطنية إتجاه مواطنيها مما جرى». ويرى محللون ان التهميش الذي يجده أعضاء الحركة الشعبية في الدواوين الحكومية عمل مقصود لإضعاف دورهم، وعندما يقابلونه بالإنسحاب يسدون خدمة ينتظرها شريكهم في الحكم. خاصة وأن مثل هذا الإنسحاب لا يحدث فراغ دستوري أو تنفيذي في الدولة الأمر الذي يضعفه ككرت ضغط، وهو ما أشار إليه دكتور مصطفى عثمان إسماعيل مستشار رئيس الجمهورية في تصريحات صحفية له أثناء تجميد الحركة لعمل وزرائها بقوله «انه لن يحدث فراغاً دستورياً» ثم أشار الى إحدى مبررات الإنسحاب وقتها قبول تقرير أبيي بقوله «لن نقبل تقرير خبراء أبيي لو إستمر إنسحاب وزراء الحركة الشعبية حتى عام 2011م». وهو ذات التحدي الذي يواجه دستوريي الحركة بدارفور من مطالبهم.

وإن كانت الحركة الشعبية قد عللت خطوة الإنسحاب بناءاً على أحداث معسكر كلمة، ومعرفة خارطة الطريق لحل مشكلة دارفور، فأحداث معسكر كلمة التى راح ضحيتها العشرات أعلنت الحكومة انها كونت لجنة تحقيق بشأنها، وقبل ان تبدأ اللجنة عملها دعا رئيس الجمهورية في تنويره لمجلس الوزراء الى تنظيف وجمع السلاح من كل المعسكرات بإعتبارها تشكل تهديداً للمواطنين، وهو المبرر الذي إقتحمت على ضوئه القوات الحكومية المعسكر، ما يعني أن الحكومة مقتنعة بخطوتها وستمضي فيها بدليل رفضها الإجابة على إستفسارات أوربية حول ما جرى في «كلمة» بالتالي يتوقع أن تتعامل مع الإنسحاب مثل بقية الأصوات الأخرى. أما مسألة معرفة خارطة حل الأزمة فإن الحكومة يكفيها أن تشير للحركة بمكتب باسولي بالفاشر الذي يتولى الوساطة المشتركة لحل القضية ليفصح لها عن خارطته لأنه يتعامل مع الحكومة ككل الأطراف الأخرى، وإن كانت هي المسئول الأول لإحداث إختراق في جدار الأزمة، بل وتملك آخر مبادرة أطلقها الرئيس عند زيارته لدارفور وهي «مبادرة أهل السودان» فإن التفاهمات معها في هذا الشأن سيكون مكانه الغرف المغلقة وليس الإنسحاب، كما يأتي تعيين جبريل باسولي مبعوثاً مشتركاً للأمم المتحدة والإتحاد الإفريقي، يضع على عاتقه مسئولية تحقيق السلام في الإقليم وجعل المجتمع الدولي شريكاً وراعياً وليس الحكومة وحدها.
الإنسحاب بهذه المبررات قد ينظر له من زاوية تحركات الحركة الشعبية لإظهار تعاطفها مع قضايا دارفور والتخندق مع أهله وحركاته من خلال أحداث «كلمة» لكسب مزيد من الدعم والتأييد هناك وهو ما ذهب له المسؤول بالدائرة السياسية بالمؤتمر الوطني في تصريحات صحفية بقوله «بأنها محاولة للحصول على مزيد من المكاسب السياسية وحمل الحركة المسؤولية بإعتبارها شريك في الحكم، متوقعاً أن تتراجع عن قرارها وتتجاوز الأزمة الحالية كما حدث سابقاً»
يجدر ذكره أن خارطة طريق دارفور التي اشار لها أعضاء الحركة الشعبية بدارفور، الحركة نفسها بذلت فيها ليس قليلاً من الجهد سواء على صعيد التفاوض في ابوجا أو محاولاتها توحيد صف الحركات المسلحة في دارفور أو على الأقل توحيد موقفها التفاوضي حتى تسهل عملية التفاوض والوصول لنتائج مرضية لكافة الأطراف.
كما ينظر للإنسحاب من جانب آخر، وهو أن الحركة الشعبية التي قويت صلتها بالحركات المسلحة الرافضة لأبوجا من خلال مساعيها لتوحيدها في جوبا، أرادت بهذه الخطوة أن تقترب أكثر كذلك من الحركات الموقعة على السلام، والتى كانت قد أعلنت عبر مؤتمر صحفي عقدته صبيحة أحداث «كلمة» وحملت فيها الحكومة مسئولية الأحداث وهددت بانها إذا لم تسحب قواتها من المعسكر ستضطر لمراجعة موقفها من الإتفاقيات الموقعة مع الحكومة، فكأنما الحركة الشعبية أرادت ان تتقدم أكثر ناحية هذه الحركات بل وتعلن بالإنسحاب أنها تقف في مقدمتهم وليس داعماً لمواقفها فقط.
ويعكس قرار تجميد وزراء الحركة الشعبية بدارفور البون الذي يتمدد بين شريكي نيفاشا، والذي كثيراً ما تعده الحركة الشعبية تجاوزاً لها ولدورها في إدارة الدولة التي هي شريك فيها، فقد أبدت الحركة الشعبية أكثر من مرة إحتجاجها على كثير من الخطوات التي ترى أنها لم تستشر فيها، وهو ذات التعليل الذي أدى بها لتعليق مشاركتها في السلطة العام الماضي إحتدجاجاً على تهميش دور وزرائها في الحكومة المركزية وعدم تنفيذ إتفاقية السلام، فهل يكون التجميد بدارفور آخر سيناريوهات خلافات الشريكين في إدارة الحكم أم انه مؤشر لمزيد من الخلافات.
خالد البلولة إزيرق :الصحافة
[/ALIGN]

تعليق واحد