عبد اللطيف البوني

الرجالة تطير


[ALIGN=CENTER]الرجالة تطير [/ALIGN] عمّنا حجازي رحمه الله رحمة واسعة كان رجلاً حسن الصوت، به بحّة محببّة لأهل القرية لذلك اختاروه مؤذناً، وكانوا يطربون لآذانه – نسأل الله أن يتقبل منه- جاء ذات يوم لمركز التصويت ليدلي بصوته، وكان ذلك في إحدى دورات مجلس الشعب أيام نميري، فبمجرد دخوله سأل قائلاً قالوا في مرة (امرأة) مرشحة، أنا عاوز أديها صوتي، وكان يقصد المرشحة الأستاذة سعدية عبد الله النور من الكاملين، وقد رفض عمنا حجازي الذهاب خلف الستارة وقال بس أنا عاوز أدي سعدية دي، وعندما سُئل عن سبب هذا الانحياز السافر، حكى أنّه ذهب إلى بركات حيث رئاسة مشروع الجزيرة لمعاملة ما فدخل المكتب المعني، ولم يراع أحد من الموظفين لسنّه، وكان يتكلّم واقفاً فرأته إحدى الموظفات، وقامت من كرسيها وأحضرته له، وقالت له اجلس يا عم، ومن يومها أصبح في صف المرأة في كل شيء (إن شاء الله يحكمن السودان كله) مناسبة هذه الرمية هو أنّ نتيجة الشهادة السودانية لهذا العام أظهرت تفوّقا كاسحاً للتلميذات على حساب التلاميذ فالأربعة الأوائل من البنات؛ حتى الأعوام السابقة تفوق البنات فيها كان واضحاً، وكل الكليات عالية الطلب من طب وصيدلة وهندسة أصبحت البنات فيها أغلبية ليس هذا فحسب فنتيجة الامتحانات داخل الجامعة تفوّق البنات فيها مستمر، فالنصيب الأكبر من الفصل والإعادة والملاحق للأولاد، فهذا يعني أنّ انتصار البنات ليس في معركة الدخول للجامعة فقط بل مستمر داخل الجامعة، وسوف يستمر في الدراسات العليا، وعمّا قريب سوف تصبح هيئات التدريس بالجامعات تحت سيطرة السيّدات، مثلما أضحت الخدمة المدنية الآن تحت امرتهنّ. نجاح البنات وتفوقهنّ في الدراسة الثانوية والجامعية له مبرراته الموضوعية ففي عمر المراهقة هذا نجد أنّ الأبناء أكثر تفلتاً من البنات، والبنات دائماً أكثر التزاماً وأكثر انضباطاً من الأولاد، كما أنّ الأولاد أخذوا يظهرون زهداً في المجال الأكاديمي، ثمّ جاءت الخدمة الوطنية الإلزامية التي كانت صعبة جداً في سنواتها الأولى، فأخذ الطلاب يتهرّبون منها بعدم الامتحان أحياناً. في تقديري أنّ تفوّق الأولاد في السابق كان مردّه إلى أنّهم الأكثر عدداً فتعليم البنات تأخر كثيراً عن تعليم الأولاد في السودان، فالفرق بين مدرسة البنات الأولية ومدرسة البنات في قريتنا يقارب العشرين عاماً، العبد لله سعيد جداً بغزو البنات للخدمة المدنية بشقيها العام والخاص لأنّ البنات أقلّ فساداً من الرجال (البنات خوافات) وأكثر حنية في التعامل مع الجمهور، ونفس انضباطهنّ في الدراسة حملنه إلى مكاتب العمل، وسيكون من حظ السودان أن (تُنسْوَن) فيه الخدمة المدنية، فالخدمة المدنية لا تحتاج لعضلات (تبش) و عروق (عجور) وشوارب (تكتف الحمار)، وإن كان الحاجات دي انتهت في الرجال ذاتهم بل تحتاج إلى أمانة وانضباط، وهذا متوفر عند المرأة أكثر من الرجل. قد يقول قائل إنّ النساء العاملات يتعرّضن للفتنة والتحرش من رؤسائهنّ، وقد يكون في هذا شيء من الصحة ولكنّه ليس الأصل، ولكن المهم أن المديرين الرجال والعاملين فيها ولا (عشرة بقرش) سوف يغادرون مكاتبهم لتحل محلهم مديرات ورئيسات حنينات وطيّبات وعادلات لاسيما وأنّ سن المعاش المطبقة حالياً (ستين سنة) أتاحت الفرصة لرئاسة المرأة بصورة متسارعة لكن بيني وبينكم في مديرات في المكاتب صارمات أكثر من اللازم خاصة مع بنات جنسهنّ ولكنهنّ ليس الأغلبية. على العموم ألف مبروك لحواء السودانية أنّها ودعت الخدري وقامت من بدري، واستجابت لنداء الدراسة والعمل الذي ناداها من بدري، وكفاية سيطرة ذكورية ودعونا نقلب صفحتهم فقد أثبتت فشلها بدليل الانهيار الحالي.

صحيفة التيار – حاطب ليل- 23/6/2010
aalbony@yahoo.com


تعليق واحد