صلاح شكوكو

الوحدة الجاذبة : ناصية كاذبة خاطئة

[ALIGN=CENTER]الوحدة الجاذبة : ناصية كاذبة خاطئة[/ALIGN] نسمع كثيرا عبارة ) الوحدة الجاذبة ( بل نسمع أكثر المفهوم الذي يستتبعها في أن الجاذبية يجب أن تتأتي كرياح للتغيير من الشمال الى الجنوب .. رغم أن النيل يجري من الجنوب الى الشمال كشريان للحياة .. مما جعل الكثيرين ينتظرون ما ستقدمه الحكومة المركزية كعربون ، لتكون الوحدة جاذبة وكأنهم أعفوا أنفسهم من أي دور يمكن أن يسهموا به في جعل خيار الوحدة خيارا ممكنا .

وهذا فهم خاطيء لمآلات الإتفاق الذي تم بنيفاشا .. بل هو تفسير خاطي من جانب الإعلام ، الذي كان ينبغي عليه أن يكون اداة تبيان وتوضيح ، وبذا يكون الإعلام قد أصبح ماحا في دنيا القداحين ، إذ ان الإتفاقية أطرت دور كل من الطرفين ، الحكومة من جهة والحركة الشعبية من الجهة الأخرى .. الغريب أنهما وفق ( ماشاكوس ) أصبحا متشاكسين .. دونما وجود مصوغ لهذا التشاكس . حيث حددت الإتفاقية ثلاثة أهداف رئيسية .. تتلخص في الأتي :-

 أن تتوقف الحرب كهدف استراتيجي .
 أن تتم عملية تحول ديمقراطي متدرج .
 الإستفتاء

وبموجب هذا الإتفاق .. أصبح الجنوبيون طرفا حقيقا في الحكم .. يحكمون كل جنوب السودان .. ثم بعد ذلك أصبحوا يشاركون في حكم الشمال بنسبة مقدرة .. بعد أن سحب المركز جيشه بموجب الإتفاقية حتى حدود سنة 1956 مما يعني أن الجنوب اصبح عمليا يحكم نفسه بنفسه .. ثم يشارك في صنع القرار الإتحادي ، مع الحكومة المركزية في الشمال بنسبة تبلغ بحوالي 34% ( اي أنهم مساهمون في حكم الشمال بعد ان تسيدوا الجنوب كله ) .

والجنوب به عشرة ولايات كلها للجنوبيين ، وذلك من مجموع ولايات السودان البالغ عددها ( 25 ) تشكل المجموع الكلي لولايات السودان .. علاوة على الثلاثين في المائة هي نسبة المشاركة في حكومة الشمال مما يجعل الجنوب يشارك بحوالي 60% في الحكم في السودان … إضافة الى فوز مالك عقار بولاية النيل الأزرق .

إضافة لكل ذلك وافقت الحكومة المركزية على قسمة العوائد والجمارك مع حكومة الجنوب .. وفق ذات النسب السابقة .. رغم أن العوائد والجمارك من التحصيلات المركزية ، لكن الحكومة قامت بذلك دعما للثقة بين الشمال والجنوب ، وهذا يعتبر مكسبا كبيرا كان ينبغي ان يقابله شكر من أهل الجنوب تجاه أخوانهم في الشمال ، لكننا مكان الشكر نجد جنوحا الى المشاكسة والتراشق ، وتناوب الأدوار فتارة يقول ( باقان ) أن قطار الوحدة قد فات .. وتارة يؤكدون أن المتبقى من الزمن لايكفي ، بل يطالبون الشمال بأكثر مما يجب .. حتى غدت كلمة الوحدة الجاذبة معيارا .. لا يعرف له معنى أو حد معياري يمكن تحديده .

إذن ما المطلوب من الشمال لتكون الوحدة جاذبة بعد أن نال الجنوبيين كل مايريدون ؟؟

في تقديري أن حكومة الجنوب هي التي من المفترض أن تقنع الإنسان الجنوبي بأن الشماليين أعطونا مانريد وأكثر .. والدليل أننا نحكم أنفسنا بأنفسنا .. و نشارك في صنع القرار في الدولة المركزية كذلك .. بدلا من هذا الصياح والنواح المتواصل ..

وبذا كان من المفترض أن تقوم حكومة الجنوب بتحمل تبعات التنمية في الجنوب بنفسها بإعتبار أن لها موازنة خاصة ، وأن لا تنتظر الحكومة المركزية كي تنمي لها الجنوب .. خاصة وان الشمال كله يعتبر مهمشا بمعيار التهميش والتخلف الذي هو الآخر يحتاج بذات القدر الى التنمية والنماء .

بذا يكون مصطلح (( الوحدة الجاذبة )) مصطلحا كاذبا .. ومقولة خادعة للصيد في الماء العكر .. بل هي كلمة حق أريد بها باطل .. لأن إنتظار الشمال للمساهمة في إقناع أهل الجنوب مقولة لا يسندها قانون ولامنطق .. ولسنا في الشمال معنيين بالوحدة وحدنا ، فأهل الجنوب يجب أن يؤكدوا حرصهم عليها ، بإعتبارهم نالوا حقهم من خلال ماشاكوس .. إذ ليس من واجب الشماليين أن يقنعوا الجنوبيين .. وليس من واجب الحكومة المركزية أن تهتم بتنمية الجنوب ، وتهمل بقية السودان .. رغم أنها تسهم في هذه التنمية بمبالغ مقدرة ومشاريع مشتركة .

ومسؤوليتها في تنمية الجنوب تعادل مسؤوليتها في تنمية كل الشمال وإن فعلت ذلك يكون وفق خطط إستراتيجية عامة تشمل السودان كله ، حتى إن خصصت شيئا للجنوب يكون ذلك من باب تلطيف الأجواء وليس شرطا من بنود الإتفاقية التي تشير في أحد بنودها بتعويض الجنوبيين عن الحرب وهذه مسالة فنية محلها القنون وليس الكلام ( الباقني ) المرسل .

لذا فإن هذا المصطلح يعتبر مجرد عصا يتوكأ عليها المنادون بدور أعظم للسلطة المركزية في التنمية بالجنوب ، بذات القدر الذي لا يريدون للشمال أن يكون له تأثير عليهم .. ينادون بذلك دون أن يكون لهم مسوغ أو دليل قانوني يسند ذلك .. بل هي حجة للضغط على الشمال لتحقيق مكاسب على الأرض ، دون أن يستبعها موقف واضح من الحركة الشعبية بإعتبارها معنية وفق الإتفاقية بالعمل على جعل خيار الوحدة خيارا أولا .. لكننا لانسمع ذلك إلا من خلال رئيس الحركة بينما الباقون يتغنون للإنفصال .

الحقيقة أن مجرد تنفيذ بنود الإتفاقية بالكيفية التي جاءت بها نيفاشا ، يعتبر مؤشرا بحسن النية من جانب الشمال ، لبذر بذور الثقة بين الجانبين ، لأن القضية كانت قد وصلت الى درجة الحرب والحرب تعني عدم طمأنينة أي طرف للطرف الآخر .. هذه الثقة هي التي يجب أن تبشر بها النخب الحاكمة في الجنوب .. والتي تعتبر خير مؤشر للعيش معا في بقعة واحدة .. بضمانات قانونية ودستورية تضمن حسن سير النظم الحاكمة في البلاد .

وعلى الجنوبيون أن يسالوا حكومتهم عن الأموال التي تسلمتها من حكومة الشمال .. أين ذهبت وفيما أنفقت .. ثم عليهم أن يستيقنوا من خلالها موقف التنمية في ظل الحكم الجنوبي للجنوب . لمعرفة درجة الجذب الحقيقي للوحدة ؟ ومن الذي يجب أن يجذب الآخر .

صلاح محمد عبدالدائم شكوكو
shococo@hotmail.com

تعليق واحد

  1. أجمل ما قرات في موضوع الوحدة
    والغريب أنه كلام منطقي ولعل الحكومة ل تعي هذا
    مشكور أستاذ صلاح فقد تفوقت رياضا وسياسيا على الرياضيين والسياسيين
    الى الأمام