عبد اللطيف البوني

وتبكي يا بلدي الحبيب


[ALIGN=CENTER]وتبكي يا بلدي الحبيب [/ALIGN] الدموع نوع من أنواع التعبير الإنساني الراقي فالإنسان عندما يذرف الدمع يكون في لحظة صدق مع النفس على الأقل في اللحظة التي يبكي فيها حزنًا كان أم فرحًا وبعد ذلك قد يقوم بفعل يتنافى وذرف الدموع بهذا يكون خرج من موقف إلى موقف آخر لذلك تجدني لست من المؤمنين بمقولة دموع التماسيح تلك التي ينسبها الناس لمن يتناقض فعلهم الدائم مع بكائهم ولكن في تقديري أن لحظة الدموع لحظة صدق وما يحدث بعدها موقف متغير، وقد يكون هو الأصل ولحظة الدموع هي الاستثناء، وهذا لا ينفي صدقها، كما أنني لست من المؤمنين بتقسيم الدموع حسب النوع هذة دموع نساء وتلك دموع رجال في أغنية (إلى مسافرة) للرائع عثمان خالد التي يغنيها الفنان الكبير حمد الريح، جاء (ما دموع رجال / بتهد جبال/ هدارة زي رعد المطر) في تقديري أن الشاعر أراد تفخيم دموعه ولكنه أخرجها من الإطار الإنساني فالدموع تعبير إنساني راقٍ لا يعترف بالجندر، فالمرأة إنسان عندما تبكي، والرجل إنسان عندما يبكي وإن قيل إن البكاء للنساء فلأنهنَّ الأكثر صدقًا في الكشف عن دواخلهنَّ ولايعرفن المكابرة التي يتصف بها الرجال مناسبة هذة الرمية هي تلك الصورة التي التُقطت للبروف غندور وهو يجهش بالبكاء أثناء حديثه عن وحدة السودان وخوفه من انشطاره، فقد كانت لقطة الأسبوع الماضي دون منازع، فبعض الصحف أبرزتها في يومها، وبعضها أعادت نشرها، وبعضها علق كُتابها على تلك الدموع، يبدو لي أن الاهتمام بها جاء من ناحية أن السياسيين عندنا يندر أن يبكوا فالعياذ بالله بعضهم لو (عركت ليه شطة في عيونه ما يدمع) وتاريخنا السياسي فيه القليل من الدموع لعل أشهرها دموع السيد عبدالرحمن المهدي لحظة رفع علم السودان إيذانًا باستقلاله في مطلع يناير 1956 وهناك دموع النميري في مجلس الشعب حينما حاصر المجلس الدكتورة فاطمة عبد المحمود، كما بكى الراحل الشريف زين العابدين الهندي ذات مرة وهو يطالب بإعادة علم السودان القديم علم الاستقلال (ياربي في دمعة تاني؟) نعود لدموع البروف غندور فالرجل سياسي ناشط في الحزب الحاكم ومن العالمين ببواطن الأمور، فيبدو أنه أيقن أن كل المداخل والمقاربات العقلانية من الوحدة لن تقربنا منها، فالحسابات السياسية فشلت في تقريب الوحدة، وقد يكون في دموعه مدخل واقتراب وجداني من الوحدة، فطالما أن العقل فشل فلنجرب الوجدان، والوجدان هو الآخر من العوامل التي تشكِّل السلوك الإنساني، فالإنسان عاطفة وعقل، والعقل محدود، والعاطفة لاحدود لها، ويبقى السؤال كيف يفهم الإخوة الجنوبيون دموع البروف غندور؟ وهل سوف يعيرونها اهتمامًا؟ العبد لله شخصيًا قد كبر في نظره البروف غندور؛ فقد ثبتت لي إنسانيته وإخلاصه لوحدة السودان وخوفه من أن يرى السودان منشطرًا، إنه من جيلنا، هذا الجيل الذي ارتسمت في وجدانه خريطة السودان المخروطية وهو لن يتخيل خارطة جديدة للسودان، وأصدقكم القول إنني حاوت أن أتخيل خريطة السودان بعد الانفصال لكن والله العظيم عجز خيالي عن تصورها تصورًا كاملاً، لقد بدا السودان كالإنسان (المشمِّر) وشمارته لا تستر عورته، وياله من يوم أسود ينتظرنا.. شكرًا بروف غندور فقد بكيت بالنيابة عنا جميعًا.

صحيفة التيار – حاطب ليل- 31/7/2010
aalbony@yahoo.com


تعليق واحد

  1. عزيزنا البوني في مثل مصري يقول (ياما تحت السواهي دواهي) فدموعه مع إحترامنا لها مش في محله لانه في نفس الموكب البقية تصفق وتغني (والله يكون في عونا)