جعفر عباس

جمائل كلية الآداب ومخاطر “الحساب”

[ALIGN=CENTER]جمائل كلية الآداب ومخاطر “الحساب” [/ALIGN] قضيت أجمل سنوات عمري في جامعة الخرطوم وبالتحديد في كلية الآداب.. وتلك الكلية كانت أهم نقطة في حياتي على الإطلاق، لأنها حددت وجهتي الأكاديمية ومن ثم مسار حياتي العملية.. وأجمل ما في الكليات الأدبية هو أنها لا تعدك لوظيفة محددة، بل تعطيك أدوات متنوعة وثقافة عامة تجعلك مؤهلا للتأقلم مع بيئات عمل مختلفة.. ويفسر هذا لماذا يقود خريجو كليات الآداب والاقتصاد والقانون العالم، ومن النادر ان تجد خبيرا في الفيزياء او الرياضيات يشغل منصبا سياديا في بلد ما، لأن تلك المواد تسبب اضطرابات عقلية وعاطفية، فوق ان الحاذقين في العلوم الطبيعية لا ينفعون في مجالات السياسة حيث واحد زائد واحد قد يساوي صفرا (الدليل القاطع على ذلك هو ان السودان وبعد أكثر من نصف قرن من الحكم الوطني يقف عند نقطة الصفر).
زاملت في الجامعة صالح عبدالمجيد حمدتو، واسأت به الظن منذ ان عرفته، فبرغم انه كان شخصا ودودا وشديد التهذيب وخفيف الظل إلا أن شغفه بالفيزياء والرياضيات جعلني أحذر الاقتراب منه.. وأذكر انه وخلال امتحانات نهاية احد الأعوام كان حمدتو يضع سيجارة في فمه وممسكا بكوب شاي في يده ثم أشعل عود كبريت وأشعل السيجارة ثم رمى بكوب الشاي بدلا من عود الكبريت، وهكذا تأكد لي على نحو قاطع ان عشاق الفيزياء والرياضيات أشخاص غير أسوياء.
كل المواد التي كانت تدرس في كلية الآداب كانت تروق لي، ما عدا اقتصار دراسة الأدب العربي على نصوص لشعراء من قوم عاد وثمود.. وكان هناك النحو وقواعد اللغة العربية، وهي في معظمها تنتمي الى الفيزياء، وتسبب دراستها حصوة المرارة والتهاب البروستاتا، وبالمناسبة فان قواعد النحو العربي تعكس العقلية السلطوية العربية التي تضع “قواعد” الحكم والعلاقة مع الرعية.. انظر حكاية بناء الفعل للمجهول ونائب الفاعل في جملة مثل “قتل الرجل الأرنب”،.. الفاعل هنا هو الرجل، ولكن العقلية السلطوية التآمرية تبني الفعل “للمجهول” فتصبح الجملة “قُتل الأرنب” ويصبح الأرنب نائب فاعل.. أي منطق هذا الذي يجعل المجني عليه نائبا للجاني “الفاعل”.. معنى هذه الجملة ان الأرنب تواطأ مع الرجل على قتل نفسه، وإمعانا في ذر الرماد في العيون فإنهم يضحكون على الأرنب الذي كان منصوبا بحكم انه مفعول به، بجعله مرفوعا، ويحسبون ان “الرفع” سيخفف عليه تحويله من مجني عليه الى شريك في الفعل/ الجريمة… وكنت ولا أزال أحب مادة الجغرافيا، وكنت أود لو أجعلها مادة تخصصي الثانية الى جانب اللغة الإنجليزية.. واستمتعت بمحاضرات الجغرافيا في السنة الأولى، لأنها كانت دسمة بالمعلومات، وأذكر ان خواجة اسمه “لي” كان يدرسنا الجغرافيا السياسية، وذات صباح جلسنا في قاعة مظلمة ليعرض علينا فيلما سينمائيا، وكنت اجلس في الصف قبل الأخير في القاعة عندما تقدمت فتاة جاءت متأخرة صوب المقعد الأخير وجلست في طرفه، وبعد قليل جاءت وطلبت مني ان أفسح لها كي تجلس الى جواري.. لم أكن قد التقيت بها من قبل، وبكل عفوية قالت لي انها “خافت” من الزول الذي جلست الى جواره في بادئ الأمر.. وبعد انتهاء الفيلم التفت الى الوراء، وبالفعل كان ذلك الشخص الذي هربت الفتاة المسكينة منه على درجة عالية من القبح.. وشكله يقطع الخميرة، (مما رفع معنوياتي) وبعد ان تعرفت عليه لاحقا، وجدته شخصا مرحا وحكيت له قصة الفتاة التي كاد بقبح ملامحه ان يصيبها بانهيار عصبي، فصار يتعمد القاء التحية عليها بصوت مؤثر: السلاااااام عليكم،.. ويستمتع بالهلع الذي ينتابها، إلى ان اضطرت الى ترك مادة الجغرافيا.. واضطررت بدوري الى ترك الجغرافيا، لأنهم وفي منهج الجغرافيا العملية أعطونا جداول لوغريثمات فأصابتني نوبة هستيريا، لأن تلك الجداول عبارة عن أرقام عديمة المعنى، وأي شيء له علاقة بعلم الحساب يسبب لي اضطرابات نفسية.

أخبار الخليج – زاوية غائمة
jafabbas19@gmail.com

تعليق واحد

  1. ليه كده يأبوالجعافر، يعني ناس الفيزياء والرياضيات مجانين ؟ 😀