جعفر عباس
مارس شهر “الكوارس”
وبسبب شراسة الامتحانات في الجامعة كان مألوفا إصابة بعض الطلاب بالرهاب/ الفوبيا او الجنون التام و(خاصة في كلية الطب) بعد سنة او سنتين “بالكتير” من الالتحاق بها، وكانت كرة السلة هي اللعبة الأكثر شعبية في الجامعة وكنا نحيط بملعب السلة خلال المباريات الكبيرة ونشجع فريقنا بهتاف عجيب: يحكى أن .. أن إيه؟ أن جامعة .. جامعة إيه .. جامعة شيزو .. شيزو إيه؟ شيزوفرانيا.. كان ذلك تلميحا لإصابة طلاب الجامعة بمرض الفصام النفسي خلال الامتحانات.. (وبالمناسبة فالتسمية الانجليزية الصحيحة لهذا المرض ليست شيزوفرانيا بل سكتزوفرانيا schizophrenia، وإذا رأيت ان تجعل في بداية الكلمة حرف الألف بالكسرة فأنت حر، وأنا أتفهم وأقدر ظروفك فلأنه ليس في اللسان العربي كلمة تبدأ بالسكون فإننا نقول اسكتلندا ونقول ان المدرسة هي اسكول، مع ان الكلمتين تبدآن بحرف السين/إس، فنأتي نحن بألف مكسورة على عادة لساننا)
كان ذلك في زمن تسير فيه العملية التعليمية بانضباط شديد، ولم يكن هناك طالب في أي مرحلة تعليمية يسأل عن موعد بدء الإجازات أو انتهائها، فعند بداية ونهاية كل عام دراسي كان تقسيم الفترات الدراسية وما يتخللها من إجازات ثابتا.. وكان كل الطلاب في جميع المراحل يجلسون للامتحانات في شهر مارس ويستأنفون الدراسة في يوليو(ما عدا منطقة البحر الأحمر لاختلاف أحوال المناخ عن بقية السودان) وفي منتصف ليل آخر يوم في فبراير من كل عام كان جميع طلاب جامعة الخرطوم يسيرون مواكب تطلق العويل والنواح في مرح صاخب وتجوب الشوارع المحيطة بالجامعة تشاؤما بقدوم “مارس شهر الكوارس/ الكوارث” التي هي الامتحانات.. كانوا يطلقون صرخات تحنن قلب الكافر، كانت الصرخات ذات طابع “نسائي”، أي أنهم كانوا يقلدون نواح النساء عند وقوع البلايا والرزايا، ويتضامن معهم أصحاب السيارات: شدة وتزول يا شباب.. شدوا حيلكم، الله معكم.. ولكن معظم المارة كانوا يفاجأون بتلك التظاهرة الغريبة التي يمتزج فيها العويل بالضحك والقهقهات، وكان ذلك بالنسبة إلى بعض أهل الأرياف دليلا قاطعا على ان الجامعة تفسد الأخلاق وتحول الرجال الى “حريم”.. من منطلق ان رجلا يتلقى التعليم في نفس الحجرة مع البنات “أصلا مش راجل”، وبنت تدرس مع الأولاد “منه العوض وعليه العوض”.
أخبار الخليج – زاوية غائمة
jafabbas19@gmail.com
حقيقة الموضوع جميل وبنورنا بفترة لم نكن نعايشها ويشعرنا بالفخر من تاريخ جامعة الخرطوم.
ولكن السؤال ماذا حل بالكوادر التي تخرجت من الجامعة وما اسهامها في تطور السودان ؟؟ هل كان هنالك عيبا ما في مكان ما ؟؟