جعفر عباس

من البنين إلى الينينات

[ALIGN=CENTER]من البنين إلى الينينات [/ALIGN] كانت تجربة العمل كمدرس مبتدئ في مدرسة سنار الثانوية للبنين خصبة جدا، لوجود عدد كبير من الأساتذة الأكفاء بالمدرسة ولكون طلابها كانوا تواقين للتحصيل الأكاديمي والتفوق، ولكن المدرسة كانت محتلة من قبل الخفافيش التي اتخذت من سقوف المباني أوكارا، وأهون عندي أن أتابع فيلما او مسلسلا لفاروق الفيشاوي لثلاث دقائق كاملة وأنا أقضم قطعة كوسا غير مطبوخة ومحشوة بالقرنبيط، من أن أرى خفاشا يحلق ولو على شاشة التلفزيون، فلله في خلقه شؤون، وأعرف رجالا ذوي شوارب مفتولة يخافون من الضفدع او الضب أو القط، و90 من النساء يخفن من الفئران والصراصير، بينما قد لا تتردد الواحدة منهن في مواجهة لص يقتحم البيت بعد منتصف الليل مسلحة بشبشب.
المهم: طلبت نقلي من تلك المدرسة طلبا لسلامتي العقلية التي كادت الوطاويط ان تفتك بما تبقى منها، وكانت قاصمة الظهر يوم أن كنت أقف أمام طلاب السنة الثالثة في المدرسة ورأيت عبر النافذة الأستاذ م. م. يجتاز فناء المدرسة.. توقف فجأة وبدأ يتحسس بنطلونه (والله على ما أقول شهيد).. ثم ركض على نحو مضطرب في اتجاه بيته المطل على المدرسة.. التقيت به لاحقا وسألته عن تفسيره للحركات البايخة التي صدرت عنه، فقال إنه أحس وهو يقترب من المدرسة بشيء يتحرك داخل البنطلون، وحسبه في بادئ الأمر محفظة نقود أو قطعة قماش،.. ولكن ذلك الشيء بدأ يتحرك و”يخربش”، فعاد الى البيت وخلع البنطلون فإذا بوطواط ابن خفاش يخرج منه مندفعا!! بعدها قلت: يا أبوالجعافر ما بدهاش.. انت مازلت شابا ولا معنى للتضحيات الجسام في سبيل الاستمرار في مدرسة أحببتها، ولكنها لم تقدر مشاعرك واستضافت أعداءك.
وبعد ترك سنار الثانوية صرت ملطشة في وزارة التربية والتعليم، فقد نقلوني الى مدرسة الخرطوم الثانوية للبنات، وكانت مدرسة ذات شنة ورنة، وتحرز طالباتها مراكز متقدمة في امتحانات الشهادة الثانوية، وكان من المألوف وقتها أن يكون غالبية المدرسين في مدارس البنات من الرجال، وبعد نحو أسبوعين أو ثلاثة جاءني الأمر بالانتقال الى مدرسة الأم الثانوية للبنات، وهي مدرسة خاصة، ولكن وزارة التربية والتعليم السودانية كانت تساعد التعليم الخاص بمدرسين في المواد الأساسية، وقضيت بها نحو ستة أشهر، دخلت خلالها في مصادمات كثيرة مع إدارة المدرسة، فإذا عاقبت طالبة لأمر يتعلق – مثلا – بعدم التقيد بمواعيد الحصص الدراسية، أو الثرثرة، كنت أجد من بين أعضاء إدارة المدرسة من يقول – مثلا: دي بنت كويسة وأهلها يدفعون المصاريف بانتظام.. ولهذا كانت فئة قليلة من بنات الأُسر الغنية لا تبالي باللوائح المدرسية وأنا لا أبالي بأنهن “كويسات” لكونهن يدفعن مصاريف الدراسة، وأطردهن خارج غرف الدراسة، فيحدث الصدام مع الإدارة.
ولكن غالبية الطالبات كن مهذبات وبشوشات، وحتى أولئك اللواتي كانت الإدارة تدلعهن، كن كثيرا ما يأتين ويعتذرن عما بدر منهن من سلوك يستوجب المساءلة، ولكن العمل في مجال تدريس البنات لم يكن يخلو من مواقف عجيبة.. أحيانا كانت هذه الطالبة أو تلك تعطيك الإحساس بأنك “مش راجل”.. كيف؟ تقول لها: قابليني في المكتب خلال الفسحة فلا تأتي، وتسألها لاحقا لماذا لم تأت، فيكون الرد: جيت، لكن لقيت معك راجل!! وتتذكر: نعم كان فلان زميلي في مدرسة أخرى يزورني في الوقت المحدد لمقابلة تلك الطالبة.. طيب يا بنت الناس: أنا كمان راجل فلماذا تقابلينني على انفراد و”تخجلين” من مقابلتي بشأن أمر مدرسي في حضور رجل آخر؟ أعرف الإجابة ولكنني كنت أطرح السؤال على كل طالبة تتعلل بعدم مقابلتي في الموعد المضروب بحجة وجود “رجل” معي… ولم يحدث قط أن دخلت دورة المياه الخاصة بالمعلمين في تلك المدرسة لأنها كانت ملاصقة للحمامات المخصصة للطالبات، مما يعني ان تدريس البنات من قبل الرجال يسبب لهم البواسير.

أخبار الخليج – زاوية غائمة
jafabbas19@gmail.com

تعليق واحد

  1. هههههههههههههههههههه والله يا جعفر عباس ما بنقدر نقول ليك الا ربنا يديك

    الصحة والعافية والعمر الطويل وتواصل في امتاعنا