منوعات

فيه (اللمّة) و(البال الرايق) الصباح في الذاكرة السودانية

[JUSTIFY](باركوها يا جماعة.. الواطه صباح).. (يا ناس استهدوا بالله.. الدنيا صباح).. جملة مختصرة ومفيدة جداً، تسمعها دوماً أثناء قيام خصومات أو مشاحنات بين الناس.. وما أن يسمع أحدهم هذه الجملة حتى يتنفس الصعداء، و(ينعل) ابليس)، وتنتهي المشكلة، بـ(بركة الصباح)..
يتفاءل السودانيون بتوقيع (الصباح) وفق المرجعية الدينية التي تعني تنّزُل البركات والأرزاق عند الصباح و(الفجرية فتاح يا عليم.. رزاق يا كريم)..
صلى على عجل)).. كما يقول الشاعر حميد
، وهو يؤكد أن افتتاحية اليوم تبدأ بالتفاؤل الصباحي (فتاح يا عليم)، «إن قرآن الفجر كان مشهودا» ونحن في مجتمعنا السوداني -قديماً- كان الاحتفاء بالصباح، له طعم ولونية ومذاق (أليف)، ففي (شاي الصباح) يضج الجميع بلوحات اجتماعية مميزة، حيث تجلس فيه الأسرة بكل افرادها ويحتسون الشاي مع (اللقيمات) أو (القرقوش) ورائحة شاي اللبن وهي تفوح من (الكفتيرة) هذه (اللمّة الصباحية)، كانت تميز صباحنا السوداني..
كانت الوالدة مشغولة بالزلابية والشاي، والوالد بقربها يسمع للاذاعة وهي تبث الأغنيات الطاعمة لعثمان حسين وأحمد المصطفى وحسن عطية، والصبية حول (الكانون) يلعبون وينظرون لمحفل (اللمّة)، يتصايحون فرحاً في الصباح، حيث يتناول الجميع مسيرة اليوم، وخطط الصباح، وفي ذلك يقول الراحل عبد العزيز العميري:
لمّة بيتنا كل صباح.. وقعدة يمة في البنبر
تناول داك كباية شاي.. وتدّي التاني ما بتفتح
ونحن نشيل زلابية وعيش.. مع شاهينا نتحنطر
دي لحظة نعيشها كل صباح.. حفظنا القعدة والمنظر.
وعندنا في المجتمع السوداني يكون الصباح مرتبطاً بمصير اليوم كله، فبعض الناس إذا حدث له مكروه في الصباح فانه يتشاءم طوال اليوم، ولهذا فافتتاحية الصباح مهمة جداً للسيكولوجية السودانية، ففي التلفزيون يكون برنامج (السودان هذا الصباح)، وفي الاذاعة برنامج (ايقاع الصباح)، وفي المدرسة يكون (طابور الصباح).
وكثيرة هي الأمثال السودانية التي تتحدث عن الصباح.. (كان بدرتو لقيتو)، و(صباحك أصبح.. وديكك عوعا)، و(الولادة صغرة والمشي صباح)، ومأثورة فرح ود تكتوك تقول: (يا ايد البدري.. قومي بدري ازرعي بدري.. احصدي بدري.. شوفي كان تنقدري).
ومن عاداتنا هي دعوة الرجل الأكبر سناً وعمراً وأيسر الناس حالاً لتناول الفطور (صباح) أول أيام عيد الفطر المبارك تفاؤلاً بـ(صباحه)، وعندنا في العادات ما يسمى (الصبحية)، وهو عبارة عن احتفال خاص بالسيدات من اسرتي الزوجين يكون عادة في الصباح التالي لليلة الدخلة، وعندنا اليوم (البكور) الذي تم تطبيقه في السودان منذ العام 2000م ويعني استغلال ساعات الصباح التي يجتمع فيها الضوء الطبيعي مع البرودة الطبيعة، وفي الحديث النبوي: (بورك لأمتي في بكورها)، ويقال في البكور: البكور هو أسرع الطرق للبكاري، والتأخير هو اسرع الطرق للكباري.. بمعنى أن زواج الفتاة في سن مبكرة هو الأفضل لها، والتأخير يقود إلى هروب العرسان منها (الكباري).
وفي رواية عرس الزين للروائي العالمي الطيب صالح، يقول الزين عن (نعمة) حبيبته وابنة عمه: (جاءتني الصباح بدري في بيتنا، وقالت لي قدام امي: يوم الخميس يعقدوا ليك علي، انا وانت نبقى راجل ومرة.. نسكن سوا ونعيش سوا).. أي انه في الصباح تكون الأخبار أقوى وقعاً وتأثيراً.
وفي الأغنيات السودانية.. (داك الصباح أهو لاح يا حبيب)، و(صباح النور عليك يا زهور)، و(صابحني دائماً مبتسم)، و(فلق الصباح)، و(الصباح الباهي لونك)، و(أصبح الصب).
ويقول د. محمد يحيى اختصاصي الصحة العامة ان عادة الاستيقاظ المبكر من النوم تمنح صاحبها ذكاء أعلى من معدل الذي يستيقظ بعد طلوع الشمس، وأشار محمد إلى أن افطار الصباح المبكر، يزيد من تركيز الفرد خلال وطوال اليوم.
إذن
فعلام الشكاة من ظلام يحُول
ثم يأتي (الصباح) .. وتمر الفصول

[/JUSTIFY]

الراي العام

‫3 تعليقات

  1. الله يرحم العميري الفنان الشامل ، كلماته رائعة “قعدة يمة فوق البنبر” والزلابية والشاي ،نحن هنا في غربة نسوي الشاي والزلابية وكل شئ ولكن شهد الله الطعم ليس نفس الطعم ، ولا الجو هو الجو، أحيانا أشعر أننا أصبحنا مسخ