فدوى موسى

عبده الانفصالي

[ALIGN=CENTER]عبده الانفصالي [/ALIGN] كل ما مرت بي المركبة العامة على تخوم تجمعات الإخوة الجنوبيين في أطراف العاصمة أو في أوصالها العميقة، تجدني أمعن النظر في المشهد في ظلال الأمتعة التي تنبيء عن رحلة اللا عودة والوجوه التي تبدو عليها صرامة أن لا تذرف دمعة على حياة حافلة عاشوها بيننا، ويبدو أنهم قد قطعوا الشعرة.. كانت مفاجأة لي عندما لمحت (عبده) الذي لم أره منذ زمن بعيد.. أتذكرونه.. (عبده) الذي كان يوعد المنتخبين بالبرامج الكبيرة والآمال العراض.. إنه ذاته (عبده) الذي أراه الآن وسط الإخوة الجنوبيين المهاجرين.. فما وجدت إلا أن ناديت عليه وصرخت في وجه (الكمساري) (أقيف أقيف هنا.. وهرولت إلى عبده الذي اندهش لمقدمي) ..(عبده الجابك هنا شنو؟) ..(والله الأيام دي شغالين سمسرة في ترحيل الجماعة…).. (يا زول).. ( أرباح مضمونة.. من جهة الترحيل والمنظمات والأفراد.. أهو كل بتمنه) ..(يا عبده وين كلام الانتخابات والوعود الجنهمية والسحرية؟).. (يازولة إنتي لسة فاكرة.. دا فقه الواقع).. (يا عبده بقيت انفصالي والّا شنو؟) ..(أنا وحدوي.. لكن الناس ما بتفهمني).

توثيق الهجرة إلى الجنوب:

تفجرت في رأسي فكرة لا أمتلك حيالها إلا التنفيذ.. لماذا لا أقوم بعمل فيلم وثائقي حول رحلة العودة إلى الجنوب والتي بطلها (إنسان الجنوب الذي عاش بالشمال).. لا دخل إليها من مداخل إنسانية بحتة.. ما بين فصول بائسة لواقع بائس.. عاشه منقو في الغابات هناك ثم فر منها شمالاً.. لأن هناك بعضاً من أمان واستقرار.. ومضت السنون واستقر منقو وانجب تريزا وملوال ووليم وبيتر وأجاك و… و.. ليكتشف بعد عشرين عاماً ونيف أنه كان مستعمراً من قبل من لجأ إليهم… أو كما قال أحدهم وهو في طريق العودة لإحدى الفضائيات(إنه لم يكن مرتاحاً في الشمال).. ولكني رجعت عن فكرة التوثيق هذه، لأن هؤلاء العائدين يضمرون شيئاً من التحسس للكاميرا التي لها صفة أنها تابع لإنسان شمالي أو كما قال باقان (جلابي).

السرير انفصالي:

الناظر لكتلة العفش لكل فرد من المهاجرين العائدين جنوباً، يلحظ أعداد (السراير الكبيرة) التي سحبها هؤلاء من أسواق الشمال.. إذن سيرقد إخواننا الجنوبيون في دولتهم الجديدة في (سراير انفصالية).. ولو كانت أسرة غرف النوم.. فما بال هؤلاء يظنون بنا كل الشر ونحن نوفر لهم حمل مخادعهم ووسائدهم التي يرتاحون عليها.. بينما تتنصل حكومتهم (كما تقول الصحف) عن دفع مبالغ ترحيلهم من الشمال للجهات التي تعاقدت معها، والذين يواجهون الآن خطر الدخول للسجون، لأنهم لم يتلقوا بعد قيمة الاتفاقات الموقعة عليها مماطلة و(جرجرة)..

فليعلم أخوتنا أننا بتنا أكثر تقبلاً لخيارهم الذي نتمنى لهم أن يبلغوه بهدوء دون عنف أو بصق على حياة عاشوها مكرمين.. لم يذوقوا فيها ويلات الإكراه.

خذوا معكم ما شئتم من هذا الشمال (الجلابي).. ولكننا في خاطركم باقون وأنتم لا تملكون إلا أن تذكروا ذاك الذي صنع لكم (السرير) الذي تتمدون فيه.. والمرتبة التي ترتاحون عليها.. حتى ولو كان سريركم هذا في غرفة خاصة.. فهو سرير الانفصال.

آخر الكلام:-دهشنا لوجود (عبده) وسطكم.. فلا تحرمونا توثيق لحظات عودتكم حتى نقارنها إذا ما عدتم من جديد.. واستمعتوا على عفش الجلابة.. ودمتم.

سياج – آخر لحظة – 18/12/2010
fadwamusa8@hotmail.com